فقد بان أن اسم الموجود ليس يقع على العشرة بالتواطؤ؛ وبان أنه لو كان يقع عليها بالتواطؤ، لم يكن من الأمور المقومة للماهية؛ فالوجود إذن ليس بجنس. وقد قيل في الأجوبة المشهورة: إن من الدليل على أن الموجود ليس بجنس أنه لو كان جنسا لكان فصله إما موجودا وإما غير موجود؛ فإن كان موجودا وجب أن يكون الفصل مكان النوع؛ إذ يحمل عليه الجنس؛ وإن كان غير موجود فكيف يفصل ؟ وهذا الاحتجاج ليس بمغن في هذا الباب، فإن فصول الجواهر جواهر؛ وهى مع ذلك فصول. وأما كيفية الصورة في هذا فهى لصناعة أخرى مما لا يفى به المنطق. وقد يتشكك على ما قلناه من سلب الجنسية عن الموجود، فيقال إن كثيرا من الأجناس قد يقع على أنواع متقدمة ومتأخرة كالكم على المنفصل والمتصل؛ والمنفصل أقدم من المتصل؛ ومع ذلك فقد يعرض له؛ وأيضا فإن الكم يتوسط العدد، بل العدد نفسه يقع على الاثنين والثلاثة والأربعة؛ وهذه مختلفة في التقدم والتأخر، وكما يقع الجوهر على الجوهر الأول والجوهر الثاني، وكما يقع على البسيط والمركب. لكن الأولى أن نتكلم على هذا الشك من بعد هذا الموضع.
الفصل الثاني فصل (ب) في أن العرض ليس بجنس للتسعة وتعقب ما قيل في ذلك
وأما العرض فقد قيل في منع جنسيته لهذه التسعة أقوال مشهورة منها قولهم: إن حد العرض لايتناول التسعة تناولا حقيقيا؛ ويحاولون تصحيحه بأسئلة منها قولهم: أمس وعام أول كل واحد منهما أمر واحد وموضوعاته كثيرة؛ ومستحيل أن يكون هو موجودا في جميعها؛ فإن العرض الواحد بالعدد لن يكون في موضوعات كثيرة على أنه موجود في كل واحد منها؛ فإذن ليس شئ من ذلك في موضوع وهو عرض.
وهذه خرافة؛ فإنه إن عنى بإمس وعام أول معنى متى، وهو الكون في الزمان، فإن كل واحد من الموضوعات له نسبة خاصة هو بها دون غيره في زمانه؛ فإنه ليس كون زيد في زمانه هو بعينه كون عمرو في ذلك الزمان، على أن الكونين واحد بالعدد؛ وإن عنى به الزمان نفسه، فإن الزمان في الموضوع الذي فيه الحركة التي الزمان عددها، وهو موضوع واحد عند قوم، وموضوعات كثيرة عند قوم، ويكون عندهم زمان من الأزمنة متقدما وهو الذي تعتبر به الأشياء، فيقال إنها في زمان واحد.
وأما تفاريق الأشياء المتحركة فلكل واحد منها عند هؤلاء زمان خاص؛ إلا أن الاعتبار عندهم في قول الناس إن كذا وكذا في زمان واحد بالعدد ليس إلا بالزمان الثابت الواحد الأول. ولست أشير إلى أن هذا المذهب أو غيره صحيح، بل إلى أن هذا المأخذ من الاحتجاج، ليتبين به أن حد العرض لايتناول الزمان، باطل. وقوم قالوا: إن الزمان لايتعلق بموضوع؛ فهناك قالوا: إنه جوهر. فأما معرفة الصحيح والباطل من هذه المذاهب ففى صناعة الطبيعيين.
فهى مفهومات مختلفة. وإذا جعل اسم النوع اسما لواحد واحد من هذه المعانى، يكون مقولا على هذه الثلاثة باشتراك الاسم، وتكون حدود مفهوماته مختلفة؛ فإن جعل اسما لواحد منها فقط، كان ذلك القول الذي لذلك الواحد حدا له، والقول الذي للآخر رسما ليس هو مفهوم الاسم بل علامة لازمة له. وكما أن تحت نوع الأنواع موضوعات كلية - وإن كانت ليست بأنواع - مثل الكاتب والملاح والتركى تحت الإنسان، فكذلك لايبعد أن يكون فوق جنس الأجناس محمولات ليست بأجناس، بل معان لازمة قد تشترك فيها أجناس من أجناس الأجناس، كالوجود والعرضية، وكأمور تحمل على عدة أجناس عالية مما ستفطن لها بعد.
وأما هذه القسمة التى أوردت للجوهر وبلغت الإنسان، فإنها غير مستقيمة، وإن كانت غير ضارة في تفهم الغرض المقصود؛ وذلك أن الجسم ذا النفس، إذا تناول النبات مع الحيوانات، لم يتناول الملائكة إلا باشتراك الاسم، فلم يكن الجسم ذو النفس جنسا تدخل فيه الملائكة؛ وكذلك إذا قيل ناطق للإنسان وللملك، لم يكن إلا باشتراك الاسم، والناطق الذي هو فصل مقوم للإنسان غير مقول على الملائكة؛ وإذا كان كذلك، لم يكن الحى الناطق جنسا للإنسان والملائكة ، ولا الجسم ذو النفس جنسا للنبات والملائكة والحيوانات؛ فإذا كان كذلك، لم يكن إدخال الميت فصلا يقسم الحيوان الناطق إلى إنسان وغير إنسان محتاجا إليه.
فصل في الطبيعي والعقلي والمنطقي وما قبل الكثرة وفي الكثرة وبعد الكثرة من هذه المعانى الخمسة
Страница 23