وقد يعرض هاهنا شبه: من ذلك أنه إذا كان للجنس شىء كالجنس، وهو المقول على كثيرين، كان للجنس جنس، إذا قيل الجنس على المقول على الكثيرين الذي هو جنسه وكان الجنس مقولا على الجنس نفسه، فنقول في جوابه: إن المقول على الكثيرين يقال على الجنس كقول الجنس، والجنس يقال عليه لاكقول الجنس بل كقول العرض له؛ إذ ليس يقال: إن كل مقول على كثيرين جنس، وكل ماهو جنس، فإنما يقال على كل ماهو له جنس، بل المقول على كثيرين تعرض له الجنسية عند اعتبار ما، كما تعرض للحيوان الجنسية باعتبار ما، وهو اعتبار العموم بحال، وكما نشرح لك كل هذا عن قريب، من غير أن تكون الجنسية مقومة للحيوان ألبتة. ولايمنع أن يكون المعنى الأخص قد يقال على الأعم، لاعلى كله؛ ولو كان الجنس يقال على المقول على الكثيرين قول المقول على الكثيرين لكان شططا محالا. ومما يشكك هاهنا أستعمال لفظة النوع في حد الجنس. فإنك إذا أردت أن تحد النوع، يشبه أن لاتجد بدا من أن تدخل فيه اسم الجنس، كما يبين لك بعد إذ يقال لك إن النوع هو المرتب تحت الجنس، وكلاهما للمتعلم مجهول، وتعريف المجهول بالمجهول ليس بتعريف ولا بيان؛ وكل تحديد أو رسم فهو بيان. وقد أجيب عن هذا فقيل: إنه لما كان المضافان إنما تقال ما هية كل واحد منهما بالقياس إلى الآخر، وكان الجنس والنوع مضافين، وجب أن يؤخذ كل واحد منهما في بيان الآخر ضرورة إذ كان كل واحد منهما إنما هو هو بالقياس إلى الآخر .فهذا الجواب هو زيادة شك في أمور أخرى غير الجنس والنوع، يشكل فيها ما يشكل في الجنس والنوع. وزيادة الإشكال ليست بحل، فإن المحقق يقول: ورد حدود المضافات على حد الجنس والنوع، وعرفنى أنها إذا كانت مجهولة معا، فكيف يعرف الواحد منها بالآخر ؟ وأيضا فإن من شأن الحل أن تقصد فيه مقدمات.الشك فتنكر جميعها، أو واحدة منها. وليس في الحل الذي أورده هذا الحال تعرض لشئ من تلك المقدمات؛ فإنه لم يقل إن الجنس والنوع ليسا معا مجهولين عند المبتدئ المتعلم، ولم يقل إنه إذا عرف كل واحد منهما بالآخر وهو مجهول، فليس هو تعريف مجهول بمجهول، فإن هذا لايمكن إنكاره؛ ولا أيضا يسوغ إنكار الثالثة وهي أن تعريف المجهول بالمجهول ليس ببيان، ولا الترتيب الذي لهذه المقدمات غير موجب لصحة المطلوب بها؛ فإذا كان هذا الحال لم يتعرض لمقدمة من قياس الشك ولا لتأليفه، فلم يعمل شيئا. وأيضا فقد وقع فيه غلط عظيم: أنه لم يميز فيه الفرق بين الذي يعرف مع الشئ، وبين الذي يعرف به الشئ؛ فإن الذي يعرف به الشئ هو مما يعرف بنفسه ويصير جزءا من تعريف الشئ، إذا أضيف إليه جزء آخر توصل إلى معرفة الشئ، ويكون هو قد عرف قبل الشئ. وأما الذي يعرف مع الشئ فهو الذي استتمت المعرفة بتوافي المعرفات للشئ معا عرف الشئ وعرف هو معه، ولا تكون المعرفة به تسبق معرفة الشئ حتى يعرف به الشئ، فذلك لايكون جءا من جملة تعريف الشئ؛ فإن أجزاء الجملة التي تعرف الشئ ما لم تجتمع معا، لم تعرف الشئ، والواحد منها يكون دالا على جزء من المعنى الذي للشئ فقط. فما دامت الأجزاء تذكر ولم تستوف جميعها، يكون الشئ بعد مجهولا؛ فإذا توافت عرف الشئ حينئذ، وعرف ما يعرف مع الشئ. والمضافات إنما تعرف معا، ليس بعضها يعرف بالبعض فتكون معرفة بعضها قبل معرفة البعض فتكون معرفة البعض لامع معرفته. وبالجملة ما يعرف مع الشئ غير الذى يعرف به الشىء؛ فإن الذى يعرف به الشىء هو فى المعرفة قبل الشىء. وكذلك فإنا نقول: إن المتضايقات لا تحد على هذه المجازفة التى أومأ إليها من ظن أنه يحل هذا الشك، بل في تحديدها ضرب من التلطف يزول به هذا الانغلاق؛ ولهذا موضع بيان آخر. وأما مثاله فى العاجل، فهو أنك أذا سئلت: ما الأخ ؟ لم تعمل شيئا إن أجبت؛ أنه الذى له أخ، بل تقول: إنه الذى أبوه هو بعينه أبو إنسان آخر الذى يقال إنه أخوه، فتأتى بأجزاء بيان ليس واحد منها متحددا بالمضاف الآخر؛ فإذا فرغت تكون قد دللت على المتضايفين معا. وإذ قد تقرر أن هذا الحل غير مغن، فلنرجع نحن إلى حيث فارقناه فنقول: إن تحديد الجنس يتم، وإن لم يؤخذ النوع فيه نوعا من حيث هو مضاف إليه، بل من حيث هو الذات؛ فإنك إذا عنيت بالنوع الماهية والحقيقة والصورة، وقد يعنى به ذلك كثيرا في عادتهم، لم يكن النوع من المضاف إلى الجنس. وإذا عنيت بالمختلفين بالنوع المختلفين بالماهية والصورة، تم لك تحديد الجنس. فإنك إذا قلت: إن الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالحقائق والماهيات والصور الذاتية في جواب ما هو، تم تحديد الجنس، ولم تحتج إلى أن تأخذ النوع من حيث هو مضاف فتورده فى حده، وإن كانت الإضافة تندرج فى ذلك اندراجا لا يكون معه جزء الحد متحددا بالمحدود بالحد. أما الاندراج فلأنك إذا قلت: مقول على المختلف بالماهية، جعلت المختلف بالماهية مقولا عليه، وهذه إشارة إلى ما عرض لها من الإضافة. وأما أنك لم تجعل جزء الحد متحددا بالمحدود بالحد، فلأن جزء الحد هو الماهية، أو كلية تخالف بالماهية؛ والماهية من حيث هى ماهية، والكلية المخالفة بالماهية غير متحددة بالجنس، فتكون قد حددت. متحددة بالجنس، فتكون قد حددت.
المقالة الثانية من الفن الثاني
الفصل الأول فصل (1) في حال مناسبة الأجناس وفصولها المقسمة والمقومة، وتفهيم هذه الأجناس العشرة العالية، وحال قسمة الموجود إليها، وابتداء القول فى أنها عشرة لا تدخل تحت جنس ولا يدخل بعصها فى بعض ولا جنس خارج عنها.
إن الأجناس العالية لا يوجد لها فصول مقومة بل تنفصل بذواتها، وإنما كان يكون لها فصول مقومة لو كانت لها أجناس فوقها، وبالجملة معان أهم منها داخلة فى جوهرها، فتحتاج أن تنفصل في جواهرها عنها بغيرها، كما تبين فى صناعة أخرى؛ ولكن إنما توجد لها الفصول المقسمة.
والأنواع السافلة لا توجد لها فصول مقسمة. نعم، قد يكون لها أعراض وخواص مقسمة. وإنما كان يكون لها فصول مقسمة لو صلح أن يكون لها أنواع تحتها. وأما الأجناس والأنواع المتوسطة فإنها هى التى يوجد لها فصول مقومة وفصول مقسمة. ففصولها المقومة هى التى تقسم أجناسا فوقها؛ وفصولها المقسمة هى التى تقوم أنواعا تحتها؛ وكل ما قوم جنسا هو فوق فإنه يقوم كل ما تحته؛ لكن تقويمه الأولى لما قسم إليه الجنس قسمة أولى؛ وكل ما قسم جنسا أو نوعا هو تحت فإنه يقسم ما فوقه.
ولا يبعد أيضا أن يكون الأقدم هو المعنى الآخر؛ فلما كان هذا المعنى يلزمه أن يكون نوع الأنواع، ويختص في إضافاته بالنوعية فقط من غير جنس، جعل أولى باسم النوعية، وسمى من حيث هو ملاصق للأشخاص نوعا أيضا. وهذا شئ ليس يمكننى تحصيله، وإن كان أكثر ميلى هو إلى أنض أول التسمية وقع بحسب اعتبار النوع المضايف، لكنه يجب علينا أن نعلم أن النوع الذي هو أحد الخمسة في القسمة الأولى، هو بأى المعنيين نوع، فنقول: إنه قد يمكن أن تخرج القسمة المخمسة على وجه يتناول كل واحد منهما دون الآخر، فإنه إذا قيل: إن اللفظ الكلى الذاتى، إما أن يكون مقولا بالماهية أو لايكون، والمقول بالماهية إما أن يكون مقولا بالماهية المشتركة لمختلفين بالنوع، أو لمختلفين بالعدد دون النوع، كان قسمة المقول بالماهية تتناول الجنس والنوع الملاصق للأشخاص، فيضيع اعتبار النوع بالمعنى الذي يكون بالاضافة إلى الجنس في القسمة الأولى، بل ينقسم بعد ذلك ماهو مقول على كثيرين مختلفين بالنوع في جواب ما هو إلى ما هو كذلك، ولا يقال عليه مثل ذلك، فيكون الذي يسمى جنسا فقط، وإلى مايكون مقولا على كثيرين، ويقال عليه آخر هذا القول فيصير هذا الاعتبار نوعا. لكن هذه القسمة لاتخرج طبيعة النوعية بالمعنى المضاف مطلقا، بل تخرج قسما من هذه النوعية بهذا الاعتبار، وهو ماكان جنسا وله نوعية، وتخرج طبيعة النوع بالاعتبار الخاص سالما صحيحا. وقد يمكن أن يقسم بحيث يخرج النوع بمعنى الأعم، فيكون النوع بالمعنى الخاص في القسمة الثانية، حتى يكون ماهو نوع : إما الذي هو نوع الأنواع الذي يعرض له أن يكون النوع بالمعنى الذي يجعله أخص، وإما الذي هو نوع يتجنس.
Страница 20