وأما إن كان معنى ذاته مؤلفا من معان، فله حد، وهو القول الذي يؤلف من المعانى التي منها تحصل ماهيته حتىتحصل ماهيته، ولأن أخص الذاتيات بالشئ إما جنسه، وإما فصله، على مايجب أن نتنبه له مما سلف ذكره؛ فأما فصل الفصل، والجنس الجنس، وما يتركب من ذلك، فهو له بواسطة، فهو في ضمن الجنس والفصل. فيجب أن يكون الحد مؤلفا من الجنس والفصل؛ فإذا أحضر الجنس القريب، والفصول التي تليه، حصل منها الحد، كما نقول في حد الإنسان: إنه حيوان ناطق. فإن كان الجنس لااسم له، أتى أيضا بحده، كما لو لم يكن للحيوان اسم أتى بحده فقيل: جسم ذو نفس حساس، ثم ألحق به ناطق. وكذلك من جانب الفصل. فالحد بالجملة يشتمل على جميع المعانى الذاتية للشئ، فيدل عليه إما دلالة مطابقة، فعلى المعنى الواحد المتحصل من الجملة، وإما دلالة تضمن، فعلى الأجزاء. وأما الرسم فإنما يتوخى به أن يؤلف قول من لواحق الشئ يساويه، فيكون لجميع ما يدخل تحت ذلك الشئ لالشئ غيره، حتى يدل عليه دلالة العلامة. وأحسن أحواله أن يرتب فيه أولا جنس، إما قريب وإما بعيد، ثم يؤتى بجملة أعراض وخواص، فإن لم يفعل ذلك كان أيضا رسما، مثال ذلك أن يقال: إن الإنسان حيوان عريض الأظفار، منتصب القامة، بادى البشرة، ضحاك، أو تذكر هذه دون الحيوان. فالمقول في شرح اسم الجنس هو كالجنس للشئ الذي يسمى جنسا، فمن المقول ما يقال على واحد فقط، ومنه مايقال على كثيرين، فيكون المقول على كثيرين كالجنس الأقرب. وأما المقول لا على كثيرين، فلا يتناول الجنس. ثم المقول على كثيرين الخمس المذكورة، الإ أنا لما قلنا: مختلفين بالنوع في جواب ماهو، اختص بالجنس؛ ونعنى بالمختلفين بالنوع المختلفين بالحقائق الذاتية ، فإن النوع قد يقال لحقيقة كل شئ في ماهيته وصورته غير ملتفت إلى نسبته إلى شئ آخر، خصوصا إذا كان يصح في الذهن حمله على كثيرين، تشترك فيه بالفعل أو لاتشترك فيه بالفعل بل بالقوة، أو احتمال التوهم؛ وليس يحتاج في تحقيق الجنس إلى أن يلتفت إلى شئ من ذلك. وإذا كانت أشياء مختلفة الماهيات، ثم قيل عليها شئ آخر هذا القول، كان ذلك الشئ الآخر جنسا. فافهم من قولنا: إن هذا الشىء يقال على هولاء الكثيرين فى جواب ما هو، أن ذلك بحال الشركة كما علمت.
وأما الفصل، فإنه غير مقول في جواب ما هو بوجه. وأما النوع، فإنه ليس، من حيث هو نوع، مقولا على شىء قولا بهذه الصفة، بل مقولا عليه، فإن اتفق أن قيل هو بعينه هذا القول، فقد صار جنسا. فإنا يلزمنا أن نعلم فى الحدود التي للأشياء الداخلة في المضاف، أنا نريد بها كونها لشىء، من حيث هى لها معنى الحدود، كأنا لما قلنا هذا الحد للجنس، استشعرنا في انفسنا زيادة يدل عليها قولنا: من حيث هو كذلك، لو صرحنا بها. وأما الشىء الذي يخص من بعد باسم النوع ، فستعلم أنه لايقال على كثيرين مختلفين بالنوع، بل بالعدد.
وأما العرضيات، فلايقال شىء منها في جواب ماهو، فلا شىء غير الجنس موصوفا بهذه الصفة، وكل جنس موصوف بهذه الصفة، لأنا حصلنا معنى هذا الحد، وجعلنا لفظ الجنس اسما له.
Страница 18