فنقول: إن اللفظة التى كانت في لغة اليونانيين تدل على معنى الجنس، كانت تدل عندهم بحسب الوضع الأول على غير ذلك، ثم نقلت بالوضع الثانى إلى المعنى الذى يسمى عند المنطقيين جنسا. وكانوا أولئك يسمون المعنى الذى يشترك فيه أشخاص كثيرة جنسا ، مثل ولديتهم كالعلوية ، أو بلديتهم كالمصرية. فإن مثل العلوية كانت تسمى عندهم باسم الجنس بالقياس إلى أشخاص العلويين، وكذلك المصرية كانت تسمى عندهم جنسا بالقياس إلى أشخاص المولودين بمصر، أو الساكنين بها؛ وكانوا أيضا يسمون الواحد المنسوب إليه الذى تشترك فيه الكثرة جنسا لهم، وكان على مثلا عندهم يجعل جنسا للعلويين ، ومصر جنسا للمصريين؛ وكان هذا القسم أولى عندهم بالجنسية، لأن عليا سبب لكون العلوية جنسا للعلويين، ومصر سبب لكون المصرية جنسا للمصريين. ونظن أن السبب أولى بالاسم من المسبب إذا وافقه فى معناه، أو قاربه. ويشبه أيضا أنهم كانوا يسمون الحرف والصناعات أنفسها أجناسا للمشتركين فيها، والشركة نفسها أيضا جنسا. فلما كان المعنى الذى يسمى الأن عند المنطقيين جنسا هو معقول واحد له نسبة إلى أشياء كثيرة تشترك فيه، ولم يكن له فى الوضع الأول أسم ، نقل له من اسم هذه الأمور المتشابهة له اسم، فسمى جنسا، وهو الذى يتكلم فيه المنطقيون ويرسمونه بأنه المقول على كثيرين مختلفين بالنوع فى جواب ما هو. وقبل أن نشرع في شرح هذا التحديد، فيجب أن نشير إشارة خفيفة إلى معنى الحد والرسم، ونؤخر تحقيقه بالشرح إلى الجزء الذي نشرح فيه حال البرهان فنقول: إن الغرض الأول في التحديد هو الدلالة باللفظ على ماهية الشئ، فإن كان الشئ معناه معنى مفردا غير ملتئم من معانى، فلن يصلح أن يدل على ذاته إلا بلفظ يتناول تلك الذات وحدها، ويكون هو اسمها لاغير، ولايكون له ما يشرح ماهيته بأكثر من لفظ هو اسم؛ وربما أتى باسم مرادف لاسمه يكون أكثر شرحا له. لكن دلالة الاسم إذا لم تفد علما بمجهول، احتيج إلى بيان آخر لايتناول ذاته فقط، بل يتناول نسبا وعوارض ولواحق ولوازم لذاته، إذا فهمت تنبه الذهن حينئذ لمعناه منتقلا منها إلى معناه، أو يقتصر على العلامات دون الماهية، فلا ينتقل إليها، وعلى ماهو أقرب إلى فهمك في هذا الوقت. فمثل هذا الشئ لاحد له، بل له لفظ يشرح لواحقه من أعراضه ولوازمه.
Страница 17