ثانيًا: سلك في منهجه أيضًا أسلوب تفسير القرآن بالسنة النبوية، وهو منهج متأصل عند المفسَّرين كالذي قبله، مثال ذلك:
قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى ...﴾ في الآية دليل على أن خلق الأرض وما فيها من الجماد مقدَّم على تسوية السماوات. ثم استشهد الجرجاني على ذلك بما ورد في السنَّة عن النبي ﵇ قال: "إن الله خلق الأرض يوم الأحد ... " الحديث، وإن كانت الشواهد على تفسير القرآن بالسنَّة قليلة جدًا؛ لأن المؤلف سلك جانب الاختصار كما تقدم ذلك.
وانظر أيضًا قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً ...﴾
كما أننا نرى أن المؤلِّف يعتمد رواية الواقدي في رواية الحديث، والواقدي معروف أنه متهم بالكذب. انظر تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ...﴾ (١)، وقوله أيضًا: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ...﴾ (٢).
ثالثًا: تفسير القرآن بآثار السلف وأقوالهم كثير جدًا في هذا الكتاب، فهو ينقل عن أئمة التفسير من الصحابة كابن عباس وابن مسعود وابن عمر وغيرهم، ومن التابعين مجاهد وقتادة والربيع وغيرهم، ومن تبعهم من أئمة السلف. بل استفتح تفسيره لسورة البقرة للحروف المقطعة ﴿الم (١)﴾ بقول ابن عباس ﵄: "الألف: الله، واللام: جبريل، والميم: محمد"، وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ أي القرآن: عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والسدي وابن جريج.
ومن منهجه أنه ربما يستخدم في تفسيره القرآن لتأييد معنىً لغوي يطرح فيه جوانب لغوية كما في قوله تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وقوله: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ وقوله: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وقوله: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ...﴾ وقوله: ﴿تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ﴾ إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة على ذلك.
_________
(١) سورة البقرة: ١٢٦.
(٢) سورة البقرة: ١٢٧.
1 / 56