كما أننا عندما نتصفَّح الكتاب نجد فيه ألوانًا من المعارف المختلفة، فيستفيد منه المتخصِّصون في الجوانب النحوية والبلاغية بخاصة، إذ بسط فيها القول بأسلوب علمي، وفي المقابل فإننا نجد أن عامة القرَّاء غير المتخصَّصين ينشدون إليه لسهولته وجزالته وقرب تناوله في ألفاظه ومعانيه.
كما أن عبد القاهر الجرجاني أشار إلى القيمة العلمية الكبيرة التي يحويها هذا الكتاب -أعني به القرآن العظيم-، فقال في كتابه "دلائل الإعجاز" ص ٣٩: "لقد أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آيه ومقاطعها، ومجاري ألفاظها ومواقعها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عِظَةٍ وتنبيه وإعلام وتذكير وترغيب وترهيب ومع كل حجة وبرهان وصفة وتبيان ... ".
فعبد القاهر الجرجاني يشير إلى أصالة عريقة وعمق متشعب في ثنايا هذا الكتاب الذي جعله تفسيرًا لكتاب الله ﷿، فهو يعدُّ مادة لغوية معجمية من خلال إشاراته في تفسير المفردات القرآنية والتي هي في التحقيق ترجع إلى منابع المعاجم اللغوية لا تنفكّ عنها.
كما تكمن قيمة الكتاب بإشاراته اللطيفة لأسباب النزول، فقد أكثر من ذلك حتى أنه يمكننا أن نجمع كلَّ ما ذكره في هذا الكتاب من أسباب النزول لتخرج في كتاب مستقلٍّ لا يقل عن مجلد كبير.
كما يحمل الكتاب في طياته جملة من الشواهد الشعرية نحويًا أو لغويًا أو معجميًا أو غير ذلك، سيما أن الجرجاني له جملة من الأبيات الشعرية فهو معدود عند البعض من الشعراء.
كما تتجلَّى لنا قيمة الكتاب بالمسائل النحوية والصرفية والمعجمية، فهو يحاول أن يعلِّل ويدلَّل ويستشهد ويبسط القول في الأوجه الإعرابية المختلفة، كما أنه يحاول في كثير من الأحيان الإحالة إلى أصحاب تلك الأقوال ونسبتها إليهم مما يزيد مصداقية إلى تلك الأقوال.
1 / 54