يا عجبا لقوم أمروا بالزاد، ونودوا بالرحيل، وحبس أولهم على آخرهم، فهم ينتظرون الورود على ربهم؛ ثم هم بعد ذلك في سكرة يعمهون! ثم بكى حتى بل لحيته. فقال الراهبان: حسبنا ما سمعناه من الرجل، ثم انصرفا عنه.
وكان أهل البصرة إذا قيل لهم: من أعلم أهلها، ومن أورعهم، ومن أزهدهم، ومن أجملهم؟ بدؤوا به، وثنوا بغيره. فكانوا إذا ذكروا البصرة، قالوا: شيخها الحسن، وفتاها بكر بن عبد الله المزني.
وقال عبد الواحد بن زيد: لو رأيت الحسن، لقلت: صب على هذا حزن الخلائق؛ من طول تلك الدمعة، وكثرة ذلك النشيج.
وقيل له: صف لنا الحسن، فقال: رحم الله أبا سعيد، كان -والله- إذا أقبل كأنه رجع من دفن حميمه، وإذا أدبر كأن النار فوق رأسه، وإذا جلس كأنه أسير قدم لتضرب عنقه، وإذا أصبح كأنه جاء من الآخرة، وإذا أمسى كأنه مريض أضناه السقم.
قال يونس بن عبد الله: ما رأيت الحسن قط ضاحكا بملء فيه.
وقيل: جلس محمد بن واسع إلى ثابت بن محمد البناني، فرآه يضحك في مجلسه ويمزح، فقال: عافاك الله! إنك لتمزح في مجلسك، ولقد كنا نجلس إلى الحسن فكأنه إذا خرج إلينا كأنه جاء من الآخرة يحدثنا عن أهوالها.
Страница 25