قررنا سابقا قابلية ورود الأمر والنهي على الحقيقتين المتعددتين بملاحظة الوجود الذهني المتحدتين بملاحظة الوجود الخارجي ، وهنا نقول : إن المفاهيم الانتزاعية وإن كان حقيقة البعث والزجر المتعلق بها ظاهرا راجعا إلى ما يكون منشئا لانتزاعها ، لكن لما كان فيما نحن فيه منشأ انتزاع الصلاة والغصب متعددا لا بأس بورود الأمر والنهي وتعلقهما بما هو منشأ لانتزاعهما ، هذا غاية الكلام في المقام وعليك بالتأمل التام فإنه من مزال الأقدام.
وينبغي التنبيه على امور :
الأول : لا إشكال في أن من توسط أرضا مغصوبة لا مناص له من الغصب بمقدار زمن الخروج بأسرع وجه يتمكن منه ؛ لأن في غيره يتحقق منه هذا المقدار مع الزائد ، وفيه يتحقق منه هذا المقدار ليس إلا ، وهذا مما لا شبهة فيه. إنما الإشكال في أن الخروج من تلك الدار ما حكمه؟ والمنقول فيه أقوال :
أحدها : أنه مأمور به ومنهي عنه ، وهذا القول محكي عن أبى هاشم واختاره الفاضل القمي قدسسره ونسبه إلى أكثر أفاضل المتأخرين وظاهر الفقهاء ، وصحته يبتني على أمرين :
أحدهما كفاية تعدد الجهة في تحقق الأمر والنهي مع كونهما متحدتين في الوجود الخارجي ، والثاني جواز التكليف فعلا بأمر غير مقدور إذا كان منشأ عدم القدرة سوء اختيار المكلف ، والأمر الأول قد فرغنا عنه واخترنا صحته ، ولكن الثاني في غاية المنع ؛ بداهة قبح التكليف بما لا يقدر عليه ؛ لكونه لغوا وعبثا.
وأما ما يقال من أن الامتناع أو الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار فهو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غير اختيارية بأن الشيء ما لم يجب لم يوجد فكل ما تحققت علته يجب وجوده ، وكل ما لم يتحقق علته يستحيل وجوده ، وحاصل الجواب أن ما صار واجبا بسبب اختيار المكلف وكذا ما صار ممتنعا به لا يخرج عن كونه اختياريا له ، فيصح عليه العقاب ، لا أن المراد أنه بعد ارتفاع القدرة يصح تكليفه بغير المقدور فعلا.
مخ ۱۸۳