إناطتها بوجود شيء أو عدمه ، واخرى على نحو لا يقتضي إيجاد متعلقها إلا بعد تحقق شيء آخر وجودي أو عدمي ، مثلا إرادة إكرام الضيف تارة يكون على نحو يوجب تحريك المريد إلى تحصيل الضيف وإكرامه ، واخرى على نحو لا يوجب تحريكه إلى تحصيل الضيف ، بل يقتضي إكرامه على تقدير مجيئه.
ثم إن الثاني على أنحاء ، تارة يقتضي إيجاد متعلقها بعد تحقق ذلك الشيء المفروض وجوده في الخارج ، كما في مثال أكرم زيدا إن جاءك ، واخرى يقتضي إيجاده مقارنا له ، كما في إرادة الصوم مقارنا للفجر إلى غروب الشمس ، وكما في إرادة الوقوف في العرفات مقارنا لأول الزوال إلى الغروب وأمثال ذلك ، وتارة يقتضي إيجاده قبل تحقق ذلك الشيء كما لو أراد استقبال زيد في اليوم على تقدير مجيئه غدا.
وهذه الأنحاء الثلاثة كلها مشتركة في أنها مع عدم العلم بتحقق ذلك المفروض تحققه لا تؤثر الإرادة في نفس الفاعل ، كما أنها مشتركة في أنه على تقدير العلم بذلك يؤثر في الجملة ، إنما الاختلاف في أنه على تقدير الأول العلم بتحقق ذلك في الزمن الآتي لا يوجب تحريك الفاعل إلى نحو المراد ؛ لأن المقصود إيجاد الفعل بعد تحقق ذلك الشيء لا قبله.
نعم لو توقف الفعل في زمان تحقق ذلك الشيء على مقدمات قبل ذلك اقتضت الإرادة المتعلقة بذلك الفعل على تقدير وجود شيء خاص إيجاد تلك المقدمات قبل تحقق ذلك الشيء ، كما نرى من أنفسنا أن الإنسان لو أراد إكرام زيد على تقدير مجيئه وعلم بمجيئه في الغد وتوقف إكرامه في الغد على مقدمات قبله يهيئ تلك المقدمات ، وهكذا حال إرادات الآمر ، فلو أمر المولى بإكرام زيد على تقدير مجيئه ويعلم العبد بتحقق مجيئه غدا ويتوقف إكرامه غدا على إيجاد مقدمات في اليوم يجب عليه إيجادها ، ولا عذر له عند العقل لو ترك تلك المقدمات ، وهذا واضح لا ستر عليه.
وعلى التقدير الثاني باعثية الإرادة بالنسبة إلى الفاعل إنما يكون بالعلم بتحقق ذلك الشيء المفروض وجوده في الآن الملاصق للآن الذي هو فيه ، كما أنه على
مخ ۱۶۹