وأما الأفعال التى لا يشك أنها صدرت عن إرادة ومعرفة وعن معروفين، فما أحسن الاستدلال الذى يكون فى هذه الأفعال!
قال: فأما فى حسن قوام الأمور التى تركب منها الأشعار، وكيف ينبغى أن يكون تركيبها، فقد قلنا فى ذلك قولا كافيا. فأما أى العادات هى العادات التى ينبغى أن تحاكى فى المدح، فقد يجب أن نقول فيها فنقول: إن العادات التى تحاكى عند المدح الجيد، أعنى الذى يحسن موقعها من السامعين، أربعة: إحداها العادات التى هى خيرة وفاضلة فى ذلك الممدوح. فان الذى يؤثر فى النفس هو محاكاة الأشياء الحق الموجودة فى ذلك الممدوح. وكل جنس ففيه خير ما، وإن كان فيه أشياء ليست خيرا.
والثانية أن تكون العادات من التى تليق بالممدوح وتصلح له. وذلك أن العادات التى تليق بالمرأة ليست تليق بالرجل؛
والثالثة أن تكون من العادات الموجودة فيه على أتم ما يمكن أن توجد فيه من الشبه والموافقة؛
والرابعة أن تكون معتدلة متوسطة بين الأطراف. وإنما كان ذلك كذلك لأن العوائد الرذلة ليس مما يمدح بها، وكذلك العوائد التى لا تليق بالممدوح وإن كانت جيادا، وكذلك العوائد اللائقة إذا لم توجد على أتم ما يمكن فيها من المشابهة، أو لم توجد مستوفاة، والعوائد التى هى خير وتدل على الخلق الخير الفاضل: منها ما هى كذلك فى الحقيقة، ومنها ما هى كذلك فى المشهور، ومنها ما هى شبيهة بهذين. والعوائد الجياد: إما حقيقية، وإما شبيهة بالحقيقية؛ وإما مشهورة أو شبيهة بالمشهورة. وكل هذه تدخل فى المدح.
قال: ويجب أن تكون خواتم الأشعار والقصائد تدل باجمال على ما تقدم ذكره من العوائد التى وقع المدح بها، كالحال فى خواتم الخطب، وأن يكون الشاعر لا يورد فى شعره من المحاكاة الخارجة عن القول إلا بقدر ما يحتمله المخاطبون من ذلك حتى لا ينسب فى ذلك إلى الغلو والخروج عن طريقة الشعر ولا إلى التقصير.
مخ ۲۲۱