وهذه المسجد الشريف هو أعظم مساجد الدنيا طوله سبعمائة وثمانون ذراعا وعرضه أربعمائة وخمسون ذراعا فيكون تكسيره في المراجع المغربية مائة مرجع، وسواريه أربعمائة وأربع عشرة سارية وأبوابه خمسون بابا يطيف به سور سعته ثلاث خطوات قد أسس بالحجارة العظيمة وألواحه الكبار المنحوتة الهائلة بنته الجن لسليمان ﵇ والمفتوحة الآن من أبوابه اثنا عشر بابا كل باب منها له الوجه المنقش الحسن المرقش فيها باب مصفح بالعقيان واللجين مغمد بهما قد قام على ما راق الأبصار وأعجب الأنظار) ومنها باب الرحمة وباب التوبة بابان من الجهة الشرقية وروى المفسرون عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعن ابن عباس أيضا في قوله تعالى فضرب بينهم بسور أنه سور بيت المقدس الشرقي له باب يسمى باب الرحمة من بيت المقدس قال: كعب باطنه المسجد. وظاهره وادي جهنم وفي الجهة القبلية المسجد الأعظم الحافل الذي عليه اليوم اسم المسجد الأقصى فيه الخطبة والجمعة والمنبر الذي جمع الله فيه من كل إبداع عجيب واختراع غريب والمقاصر التي لا نظير لها غرابة صنعة وجود إنشاء والسواري المفضضة الملونة من ألوان شتى من حمرة قانية وصفرة فاقعة وبياض ناصع ومن الجبرية الحالكة الصافية ومن الخبرية المجزعة العجيبة البديعة كلها مطلية الرؤوس بالذهب الذائب والتبر الخالص وقد قامت بين يد المحراب منتظمة، به عظيمة جليلة منقسمة على أفنان معقودة بأقواس محنية متراكبة مدخلة على ألوان شتى، وتصنيف غريب، مذهبة ما دخلها في التثمين والتسديد والتربيع بتذهيب مشجر مورق بالذهب مصنف محكم قد رونق الحسن استماتتها واستوفت من حظوظ البراعة أقسامها، لها منظر رائع ورواء لامع فتراها تشتعل ذهبا وتستقل عجبا، فيها تواريخ مكتوبة بالذهب في أرض فيروزية وفي أرض حمراء زنجفورية) وبأعلى المحراب (مكتوب بالذهب في أربعة أسطار ما نصه، أمر بتجديد هذا المحراب المقدس، وعمارة المسجد الأقصى الذي هو على التقوى مؤسس عبد الله ووليه يوسف بن أيوب المظفر الملك الناصر صلاح الدين والدنيا عندما فتحه الله على يديه في شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وهو يسأل الله ايزاعه شكر هذه النعمة، واجزال حظه من المغفرة والرحمة) وبشرقي (هذا المسجد متصلا به وداخلا فيه المسجد المبارك، الذي بناه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ وبجوفه تربيعه خلفها محراب زكرياء ﵇، ومكتوب عليه بالذهب يا زكرياء انا بشرناك بغلام اسمه يحيى، وبخارج المسجد الأعظم من ناحية المشرق مسجد بقبتين، يعرف بمسجد عيسى، وفي شرقيه باب له مدارج كثيرة تفضي تحت الأرض إلى موضع كبير حسن كمسجد فيه مهد مصور من الحجر الصلد يذكر أنه مهد عيسى ﵇، وبغربيه مسجد حسن للمالكية يسمى بمسجد المغاربة تلاصقه من ناحية الغرب مدرسة حافلة تسمى الفخرية، وبخارج المسجد الأعظم صحن عظيم كبير مثمر بأنواع الثمار والأشجار الكبار المختلفة الأنواع ومن أكثرها الزيتون، وفيه أجياب كثيرة ذكر عبد الملك بن حبيب بسنده أن عمر بن الخطاب لما قدم بيت المقدس خرج رجل من أصحابه يستسقي في جب سليمان وهو جب في داخل المسجد فخرت دلوه في الجب فنزل بها يستخرجها فبينما هو يطوف في الجب إذا أتاه ملكان فأخذا بعاتقه فذهبا به حتى أدخلاه الجنة فجعل يسريان به فيها فكان كلما مرا به على شجرة لها ثمر يمد يده إلى ثمرها فيؤخره الملكان حتى مرا به على شجرة ذات أفنان فمد يده فأخذ ورقة واحدة فقال له الملكان لو ملكت يدك لسرنا بك اليوم إلى يوم القيامة ثم انصرفا به إلى الجب فخرج عند صلاة الظهر فأتى عمر فأخبره بالذي كان وضبط يده على الورقة فقال عمر، أضمم يدك عليها ثم بعث إلى كعب الأحبار فاتاه فقال يا أبا إسحاق! هل تجد في علمك أن رجلا من أمة محمد ﷺ يدخل الجنة ثم يخرج منها قال نعم يا أمير المؤمنين قال هل تسميه قال نعم فهو شريك بن حماشة النميري قال فأنظر هل تراه فنظر كعبا مليا ثم قال هو ذا فقيل لكعب صف الورقة قال نعم كانت مثل الكف العظيمة أشبه شئ بورق الزراقين يعني الخوخ ففي بيت المقدس اثنا عشر جبا، ليس فيها جب أطيب ولا أعذب ولا أبرد من هذا الجب وهو يسمى بيير الورقة انتهى، وفي هذا الصحن ساقية ماء تأتي من مسافة شاقة ومهوى بعيد من الأرض قطعت لها الجبال وصدعت لها الصخور
1 / 47