الجليلة صدعا بالمال الجسيم والأيدي الشديدة حتى انصبت منها المياه على المسجد الأقصى فأروت وأغدقت وفاضت وأفضت إلى) خسة (من رخام كبيرة أمام المسجد الأعظم في وسطها فوارة يجري فيها الماء) وفي وسط هذا الصحن (صحن آخر عال مرتفع يصعد إليه بأدراج عالية كثيرة من جهات ثمانية وهو مفروش بالرخام الأبيض وفي وسط هذا الصحن الأخير المرتفع القبة العظيمة القدر الكبيرة الخطر التي كان محاسن الدنيا مجموعة فيها ومحصورة في نواحيها فهي من أعاجيب الدهر وأحسن ما يرى بالبصر ويتخيل في الفكر) قبة الصخرة الكريمة (وهي مصنوعة من قبة مثمنة الحائط والأركان من داخلها وخارجها مستوية السقف، أعلاها ذهب مضروب في صنائع عجيبة وجوانبها كلها من داخلها ملبسة بألواح الرخام المنثور الملصق إلصاقا محكما مخططا بالخطوط الكحل تخطيط القدرة الربانية فجاء منها خواتم عجيبة وطوالع مختلفة الصناعة غريبة، وفي وسط هذه القبة المثمنة المستوية السقف قبة أخرى قد بعد في السماء مرتقاها حتى تساوي ثراها مع ثرياها وجازت الجوزاء سمتا وعزلت السماك الأعزل سمكا وارتقت في الهوى وأسرت إلى السماء النجوى، وانتهت في الحسن الغاية القصوى فكأنما صورت جنة الخلد وأشربت حبة القلب وأوسعت قرة العين، ونقشت في عرض الأرض وأبرزت في الإبريز الخالص المحض قد اتفق الذكر فيها وضرب المثل بتناهيها، وبلغ الخاصة والعامة خبرها وبعد فيهم، صيتها وارتفع ذكرها وعظم خطرها وتوافى الناس إليها من البعد والقرب والشرق والغرب متأملين لها متعجبين من مونق مرعاها ورونق سناها والتقى رجال برجال قد دخلوا البلدان واستبدلوا الأوطان وجالوا في الأمصار وجابوا في الأقطار فأقسم كل واحد منهم بجهد قسمه انه ما رأى لتمام محاسنها تماما ولا بئانق ما انتظمته مطالعها انتظاما ولا بعجيب ما تضمنه ايواؤها، ومنحته أفناؤها من النقوش السرية، والصنائع السنية التي لا يبلغها نقوش أهل الهند ولا تنتهيها نمنمة أهل الصين تدركها رقوم أهل رها، ولا تساميها دباسح تستر ولا يقارن بها وشي صنعاء ولو لم يكن لها إلا السطح المدد المشرف على الصحن الكبير والقبة وعجائب ما تضمنته من إتقان الصنعة وفخامة الهمة وحسن المستشرق وبراعة الملبس والحلة ما بين مرمر مسنون وذهب موضون، وعمد كأنها أفرغت في القوالب، أو أعيرت ملمس النضار الدلامس، ونقوش كقطع الحياض، وتشجير كألفات الرياض، يتسنم بين ذلك كله أنه سنام الدنيا، سلسل برود يفرغ أمامه من تماثيل عجيبة الأشخاص في خوابي رخام تهد الجبال ضخما ولا تهتدي الأوهام إلى سبيل الالفاء بها ولقد أخبرني الشيخ العالم القدوة شمس الدين الكركي قال بلغت زنة الرصاص الذي على سقف قبة الصخرة هذه ثلاثين ألف قنطار بالدمشقي وهو بالمومنى مائة ألف وعشرون ألف قنطار كاملة، وذكر عبد الملك بن حبيب ﵀ أن عبد الملك بن مروان بنى القبة على الصخرة وجعل على الجانبة التي أعلا القبة ثمانية آلاف صفيحة من نحاس مطلية بالذهب في كل صفيحة سبعة مثقال وأفرغ على رأس الأعمدة مائة ألف مثقال ذهبا وفي وسطها مكتوب بالذهب في أرض سماوية لا زوردية على الدائرة ما نصه: - بسم الله الرحمن الرحيم - أمر بتجديد تذهيب هذه القبة الشريفة مولانا السلطان الملك الناصر العالم العادل المجاهد المؤيد من السماء ناصر الدنيا والدين محيي العدل في العالمين وظل الله في أرضه القائم بسنته وفرضه محرر ممالك الدنيا ومظهر كلمة الله العليا مشيد أركان الشريعة الشريفة، سلطان الإسلام الشهيد الملك المنصور قلاون تغمده ألله برحمته وذلك في شهور سنة ثمان عشرة وسبعمائة وتحت هذه القبة العجيبة الصخرة الشريفة التي هي كالجبل الراسي والطود العظيم معلقة وسط الفضاء بين الأرض والسماء لا صعودا ولا نزولا، إنما يمسكها الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، وقد انصنع بهذه الصخرة الشريفة والبنيان الدائر بها نوع مغارة كبيرة تفضي إليها أدراج جملتها خمسة عشر درجا وفيها سطح مفروش بالرخام المجزع المختلف الألوان البديع الصنعة وهو موضع مبارك للصلاة، وفي الطرف القبلي من الصخرة الشريفة أثر قدم النبي ﷺ يتبرك به الناس ويمرغون خدودهم فيه وقد طاف بالصخرة الشريفة شباك من العود، وبعده شباك آخر من الحديد، ثلاثة أبواب وبين الشباكين فضاء واسع للصلاة، وللقبة
1 / 48