فما رمقه طرف إلا وأحب أن يفديه بسواده، ولا نال أحد دعوته إلا ورأى بركتها في نفسه وماله وأولاده، نفعنا الله تعالى به، وبالصالحين من عباده بمنه وقد أثبت سماعي عليه واستوفيته في غير هذا، وأجازني الإجازة التامة، ومولده ﵁ في شهر رمضان المعظم من عام اثنين وأربعين وستمائة بمدينة إعزاز) بالعين المهملة والزاي قبل الألف وبعده (وهي من أعمال حلب، ومن جملة ما قرأت عليه بلفظي بحيث ذكر وهو عال جميع الأربعين حديثا لأبى بكر محمد بن الحسين الآجري وحدثني أنه سمع جميعها على الشيخ أبى العباس بن عبد الدائم بن نعمة المقدسي يوم الجمعة العاشر لربيع الأول سنة خمسين وستمائة بحق سماعه لها من الثقى بسماعه من أبى علي الحداد بسماعه من الحافظ أبى نعيم بسماعه من المؤلف أبى بكر الآجري، ومن جملة ما سمعت عليه جميع الأربعين حديثا البلدانية للحافظ أبى طاهر السلفى ﵀، وحدثني بها إجازة عن الشيخ أبى عبد الله محمد بن عبد الهادي بن قدامة بإجازته من السلفى ان لم يكن سماعاه ولنطرز ذكر هذا القطر باسم سيده ووحيده شيخ الشيوخ إمام الأئمة، قدوة الفقهاء نخبة النحاة والأدباء ودرة العلماء الفضلاء، وحجة العرب العرباء، أثير الدين أبى الحيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان النفرى الأندلسي الغرناطي، هو من سفر عن بدر الكمال الزاهر، وسجر ببحر الكلام الزاخر، وحسر عن ساعد الجد في اقتناء المعالي والمفاخر، فشأى كل ذي شأو ومغرب، وأوتي منه زمانه بكل بديع مغرب، تبلج منه الأفق الأندلسي الغرناطي عن غرة غار منها فلق الصباح المشرق، واشتمل منه الجو المصري والمجلس السلطاني على نحرير، أقرت بفضله صناديد المشرق، فكيف يوصف هطل غمام، أو ينصف أفضل إمام، لا يدانيه لقس اياد، ولا موئل منه لسبحان وائل، وايم الله ان المسرف في وصفه لمقتصد، وغير الرامي في تعريضه لمقتصد، نجم نجم سعوده الموذن بإنجاز وعوده، وإبراز موعده، فتنقل في سماء السعادة بدر أوحل في ذروة الإجادة صدرا، وبلغ من فنون العلم وضروب الأدب إلى أعلى المنازل وأسنى الرتب حتى طار ذكره في الأفاق، وسار متواترا على السن الرفاق، وضربت إليه أباط الإبل واجياد العتاق، وشدت إلى لقائه الرحال من أقاليم الشام وأقاصي العراق، فروى من بحوره العذبة ظماء الأكباد، وغذى بأسرار علومه قلب الحاضر والباد، وغير كثير، في وصف الأثير، نثر الدر المنظوم، ونظم الدر النثير، دخلت عليه منتزهه الذي دنا له النيل، فالزمان يخوله فيه يناء وينيل والدهر قد سفر له عن محياه، والزهر قد تبسم له وحياه، والطير بين يديه يخاطب إياها وتخاطب إياه، فاقبل علي بالبشر والترحيب، ومهد إلى أرجاء جانبه، وأراني بشاشة المحب عند لقاء الحبيب، وتتبع أخبار الأندلس وأهلها، وأعرب عن سيرها الحميدة وفضلها، وأنشدني من أبيات له:
وبيننا نسب ترعى وان بعدت ... لكوننا ننتمي فيها لأندلس
1 / 38