حضرت فكنت في بصري مقيما ... وغبت فكنت في أقصى الفؤاد
وما شطت بنا دار ولكن ... نقلت من السواد إلى السواد
وممن لقيته بها من أهل المجادة، والعلم والعبادة، الشيخ العالم، المسند سديد الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ العدل المرحوم عز الدين أبى القاسم عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدين أبى محمد عبد الوهاب بن الشيخ رضي الدين أبى عبد الله محمد بن الشيخ الإمام الأوحد مفتي المسلمين جمال الدين أبى الماضي عطية بن المسلم بن رجا بن منصور بن جامع بن الحسن بن علي التنوخي اللخمى الإسكندري المالكي، المشهور بابن عطية، أوحد من برع في العبادة والزهد، وفرع ذروة العلم والمجد فجمع الله له بين العلم والعمل، ومنحه من كل فضل بلوغ الغاية التي لا يقال معها لشيء كمل لو أن ذا كمل، ووهبه شرف الخلال لجميع خلال الشرف، وجعل سرفه في الخير حجة على من قال لا خير في السرف.
بيته أحد البيوت الرفيعة بالإسكندرية، وله بها مزية الرفعة المزية، عمر بالحسنات إناءه، وتتبع بالقربات آباءه بانيا كما بنوا، بل زائدا على ما أتوا، وبادئا من حيث انتهوا، فهو حبر الأكارم، وبحر المكارم، وتاج المفاخر، وحجة المفاخر، فقد رأى وشاهد، وحمد ذلك المجد المشاهد، ويا طالما لازمته فاجتليت شمسه العلية طالعة من شرقها، وأنوارها الجلية ساطعة في أفقها، ولكم أقمت بها خطيبا وأرجت من ثنائها طيبا:
فآنثنى والثناء بأرج من عطفيه ... طيبا لم يرض بالند ندا
لقيته بمنزله من الإسكندرية، وسمعت منه حديث) الرحمة (المسلسل بشرطه، وحدثني فيه في غير هذا، وقد أخذت، حديث) الرحمة (هذا عن جماعة كبيرة من أهل الأندلس وغرب العدوة وغيرهم، وخرجت سندي فيه عنهم في مجموع كبير. سمعت عليه حديث رسول الله ﷺ أجزاء كثيرة منها جزء فيه مجلس من أمالى الحافظ أبى القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي، وجزء فيه ثلاثة عشر حديثا مخرجه من كتاب للترمذي، وجميع ما تضمنته الأربعون الكبرى الصحابية، للحافظ أبى الحسن المقدسي من الأحاديث النبوية بأسانيدها والكلام عليها، وهي سبعة أجزاء يجمعها مجلد واحد، وجميع الأربعين حديثا على أربعين شيخا، في أربعين بابا، لأربعين صحابيا، وقد استوفيت جميع أسانيد ذلك كله في برنامج روايتي فذلك موضوعها. وأجازني إجازة تامة مطلقة عامة، وكتب لي بخطه، ومولده ﵁ خمسين وستمائة.
ومنن لقيته بها من كبار المقرئين، وخيار عباد الله الصالحين، الشيخ المقري الصالح فخر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى الحسين يحيى بن السيورى أبقى الله بركته فخر السنة والملة، وإمام الأئمة الجلة، ولي الله الكريم عليه، المنقطع إليه، المشفع بالقراءة والتلاوة بين يديه، مجد في الزهادة، متفرغ للعبادة متوكف ما وعد الله سبحانه للذين أحسنوا من الحسنى والزيادة، نشأ على عفة وصيانة، وأمانة وديانة، فعظم الله شأنه، ورفع بالعلم والعمل مكانته ومكانه، وأعلى منار الهداية ورزق الناس الانتفاع به في البداية والنهاية، فازدحموا على مورده والمورد العذب كثير الزحام، والتأموا بمعهده، وحيث الحب يزدحم الحمام، وأنشدوا لدى يديه:
لقد حسنت بك الأوقات حتى ... كأنك في فم الزمن ابتسام
1 / 27