عن الفضلاء فأول من لقيته بها من الأئمة وحاملي الآثار والسنة الشيخ الفقيه الإمام قاضي المالكية الأحق بالرتبة السامية السنية، وجيه الدين أبو زكرياء يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن الأمان بن خليفة بن أبى أرضين ابن تقين بن تامشت بن علي بن رجاء بن عبد المؤمن بن ذي حي الصنهاجي اليزيدي المالكي، هكذا أملى علينا نسبه ومولده في الثالث من شهر ربيع الأول سنة سبع وستين وستمائة إمام الفروع والأحكام، والعالم بالحلال والحرام، والمهتم بطلب العلم أعظم الاهتمام له رحلة قديمة وعي فيها الكثير ولقى الصدور الأكابر، وحج نحو العشر حجج وجاور سنين وشغل زمانه بالعلم فاستفاد وأفاد، فيه يقول صاحبنا ورفيقنا الكاتب البليغ الحافل الفاضل أبو إسحاق ابن الحاج وأنشده إياهما بمحضري:
أضحى وجيه الدين أسبق سابق ... في العلم والعلياء والخلق النزيه
عجب الورى من سبقه وتعجبوا ... فأجبتهم لا تنكروا سبق الوجيه
وهو رجل قد أجزل الله تعالى له الحظين: كمال الخلقة ووفور القوة، وسعة الدنيا، ومتانة الدين، سرى وسيم، مسكي النسيم، زكي المناسم في المبدأ والقسيم، طلق أسرة الوجه دمث جناب البر رقيق حاشية الطبع، حسن الأخلاق، وحسن الهيئة، جميل اللباس، سمح اللقاء مليح التأنيس، حلو المحاضرة، ذكي المعاني، نبيل المقاصد، سهل الحجاب، لين الجانب، يقظ، حاضر الذهن كأن خاطره جمرة تقد، سمعت عليه تآليف كثيرة بمنزله من الإسكندرية وأجازني الإجازة التامة المطلقة العامة وكتب لي بخطه. . . وجرت المحاضرة عنده فأجرى خيله، وجر الحديث على المذكرة ذيله فأخبرته ان في كتاب سحر الشعر. . . من لا يجد انفعالا عند سماع قول ابن عبد ربه القرطبي.
أشكو إليك قلا دعائي يسمع ... يا من يضر بناظريه وينفع
للورد حين ليس يطلع دونه ... وأراه عندك كل حين يطلع
من لي باحور ما يلين كلامه ... خجلا وسيف جفونه ما يقلع
منع الكلام سوى إشارة لحظه ... منها يخاطبني وعنها يسمع
فليتهم مزاجه وليبادر علاجه " وفي كتاب " الأشعار بهزات الأشعار " قول ابن عبد ربه ":
يا لؤلؤا يسبي العقول أنيقا ... ورشا بتعذيب القلوب خليقا
ما ان رأيت ولا سمعت بمثله ... درا يعود من الحياء عقيقا
وإذا نظرت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقا
يا من تقطع خصره من ورقة ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا
وفي كتاب " المطمح " ان أبا الوليد بن عتال لما انصرف من الحج اجتمع بأبي الطيب في مسجد عمرو بن العاص بمصر ففاوضه قليلا ثم قال له أنشدني لمليح الأندلس، يعني ابن عبد ربه فأنشده هذه الأبيات، فلما أكمل إنشادها استعادها ثم صفق بيده وقال: يا ابن عبد ربه لقد تأتيك العراق حبوا فتناقلتها عني بالألسن الأقلام، وكانت سببا لتأنيسى بأولئك الجلة الأعلام.
1 / 25