فكأن محاسن الدنيا فيها مفروشة، وصورة الجنة فيها منقوشة، كوكبها يقظان، وجوها عريان، وحصاها جوهر ونسيمها عطر، وترابها مسك أذفر، ويومها غداة، وليلها سحر، وكفاها ان ليلها كالنهار في تصرف العباد، وإعادة مسائها كصباحها، وهو غير المعتاد، وهل هي الاذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، ذكر المفسرون عن أبى ابن كعب في قوله تعالى أرم ذات العماد: إنها الإسكندرية، فهي من أعجب البلدان، وفيها بنيان عجيب، ذكر صاحب الجغرافيا أنها بنيت في ثلاثمائة سنة، وان أهلها مكثوا سبعين سنة ألا يمشون فيها بالنهار إلا معصبين الأعين بخرق سود، خوفا على أبصارهم من شدة بياضها، وعلى منارها سرطان من رخام، والمنار على أربعة أساطين، وطوله ثلاثمائة ذراع وحيطان المدينة وسورها من رخام، فيها قبة كانت لفرعون، وفيها قصر سليمان قد نهدم وبقيت أثاره، وبها أسطوانة تستدير الدهر كله، وكان في القديم على منارها مرآة كبيرة، صنعها الحكماء، يتطلع بها على القسطنطينية وبلاد الروم حتى احتيل في إنزالها، فلم يستطع أحد على صرفها بهذا انتهى، ومن عجيب صنعها أن بناءها تحت الأرض كبنائها فوقها، بل أعتق وأمتن، لان الماء من النيل يخترق جميع ديارها ويتخلل جميع أزقتها تحت الأرض، فتتصل الآبار بعضها ببعض ويمد بعضها بعضا، وعاينت فيها من سوارى الرخام وألواحه كثرة وعلوا واسعا وحسنا ما لا يتخيل بالوهم، ولقد نلقي فيها سوارى يقصد الجو بها لا يدري معناها، ولا لما كان أصل وضعها، ويذكر انه كان عليها في الزمن القديم مبان الفلاسفة ولأهل الرياسة والله اعلم، ومن أعجبها وأعظمها عمود السوارى، له قاعدة مربعة هو عليها، عددت في أحد جوانبها نيفا على أحد عشر شبرا، وطالعت في بعض التآليف أنه أعظم عمود على وجه الأرض واقف على كنز من الكنوز، وان طوله تسع وأربعون ذارعا بالذراع الكبيرة التي فيها ذراعان، وانه لا يتزحزح عن موضعه ولو تساقطت عليه الجبال الشم، ومن عجائب الإسكندرية أيضا المنار، وهو بخارجها قد صعد كالبرج الأعظم في عنان السماء أساسه كله معقود بالرصاص، وبنيانه بالحجر المنجور الجافي يزاحم السماء سموا وارتفعا قد وضعه الله تعالى على يد من سخره لذلك آية للمتوسمين، وهداية للمسافرين يهتدون به في البحر إلى بر الإسكندرية، ويظهر على أزيد من سبعين ميلا، عرض أحد جوانبه الأربع ينيف على خمسين باعا، ويذكر أن في طوله أزيد من مائة وخمسين قامة، وألفيت في بعض التآليف المعتمدة ما نصه: وذكر من عبد الله بن عمرو ابن العاص أنه قال عجائب الدنيا أربعة مرآة منار الإسكندرية كان الناس يجلسون تحتها فيرون من القسنطينة وبينهما عرض البحر، وفرس من نحاس بأرض الأندلس باسط يديه مقابل بكفييه أي، ليس خلفي مسلك فلا مسلك فلا يطأ أحد تلك الأرض إلا ابتلعته النمل، ومنارة من نحاس عليها راكب من نحاس بأرض عاد، فإذا كانت الأشهر الرحم هطل منها الماء فشرب الناس واستقوا وصبوا في الحياض فان انقطعت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء إلى آخر، وشجرة من نحاس بأرض رومة عليها زرزور من نحاس سودانية فإذا كان أوان الزيتون صفرت تلك السودانية من النحاس فيعصر أهل رومة ما يكفيهم من الزيت لادمهم وسرجهم في كنائسهم إلى عام قابل، هذا الذي ذكره عبد الله بن عمرو بن العاص خبر مشهور موجود في كتب الحكماء، والمرآة التي كانت بمنار الإسكندرية صح خبرها بالتواتر خاصة، وإنما عمل الروم في إفسادها خوفا منها، ولهذه المدينة من المدارس والمساجد ما لا يستوفيه وصف ذكر الهروى في بعض تآليفه أن مدينة الإسكندرية احتوت على أثني عشر ألف مسجد، وذكر أبو الربيع بن سالم الكلاعي في كتاب الاكتفاء له قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب ﵁ حين فتح الإسكندرية، أما بعد فأني فتحت مدينة لا أصف ما فيها غير أني أصبت فيها أربعة آلاف منية بأربعة آلاف حمام، وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة حلة للملوك، وعن أبى قبيل، ان عمرو بن العاص لما فتح الإسكندرية وجد فيها أثنى عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر) انتهى (، إلى غير ذلك من المعاهد والمفاخر والمشاهد والمآثر، وفيها تربة بعض الأنبياء ﵈، وتربة بعض التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، استوفيت زيارة جميعهم وتردد إلى مبارك بقيعهم، ثم عدت إلى لقاء العلماء والأخذ
1 / 24