) وآخر سبعهم (، وموثر شفعهم، إمام المعارف، وروضة الآداب الناعمة الأفنان، الرائقة المطارف، الفائزة من المجد الموثل بالتالد والطارف، الشيخ العالم الولي: أبو عبد الله لبن حريز فرع الأصل الغزير، وطبع الأدب المخجل أسلاك الدر وسبائك الإبريز، والمعترف له في ميدان البلاغة وفرسان البراعة بالسبق والتبريز، سبق في شجرة قرشية أموية كريمة الأعراق، ساطعة الإشراق طيبة الأثمار والأوراق، وتفتح نور بيانه في جنان جنانه، فاجتنى لسانه، واجتلى كالزهر في آداره ونيسانه، وترقى بإجادته وإحسانه، من رجل برع في الطرق الأدبية الصوفية، ونبغ في العلوم العقلية والنقلية، وفرغ لها بالنفس العاصفية، والهمة الأوسية والفكرة الأياسية، فخلق فيها رجوما رافقت الأنكدار، وبدورا فارقت الأبدار، وشموسا على كسوفها من الزمان ما دار، فعلا بعدهم قدمه، وأضحى وجمهور العالم حوله وخدمه، فاقتصر في منزله الكريم على عبادة ربه، وإفادة صحبه، سارحا من فنون علوية، في روضات جنات، ودرجات مقامات، وسائحا من عيون مجلداته في بحر أمهات، وفيض ملمهات، منقبضا عن الناس إلا عن المحتاجين إلى مواساته، والمفتقرين إلى إفادته ومؤانسته، فترى تراكم الخلق عليه تراكم الجراد المنتشر، فمجلسه في داره بتونس مجتمع إليه فيه أصناف أهل العلم، وطوائف أولى التقى والفهم، وهو اليوم هناك كعبة العلوم يحج إليها، وعمدة المحاسن يعول عليها، قد جعله الله تعالى محيا للأنفس، وسببا للتأنس، وأودع فيه من صدق المصاحبة، وحسن المداعبة، وكثرة الخشية لله تعالى والمراقبة، ما سلكه على أحسن أسلوب، وملكه الأنفس وحب القلوب، فهو كما كان محمد بن سيرين ﵁، يداعب ويضحك حتى يسيل لعابه، فإذا أردته على شيء من دينه كانت الثريا أقرب إليك من ذلك.
سماحة لا تبارى الريح غايتها ... جودا ولا تتعاطى شأوها السحب
وهيبة لو رآها الدهر ماثلة ... ولي وللرعب في أحشائه صخب
إلى ما رزقه الله تعالى من القريحة الوقادة، والفطنة النقادة، والخوض في بحور العلوم الشرعية والطبيعية، والورود من مشارع الكمالات النفسية، والمشارب الذوقية الوجدانية، والعنايات السلطانية والحمايات العامة والعطايا الحاتمية، والرتب العليه، والزهد في الدنيا الدنية، وبعد الهمة والمشاركة للخاصة والعامة، من هذه الأمة، وإجابة الدعوة، والخلو من الزهو والنخوة، وأنا من رأيت نجاح دعواته، وصلاح حالي بالتماس بركاته، ولازمته وتردد إليه كثيرا فكنت أجد في مجالسته فوائد تنسي الأوطان، وأرد في موانسته موارد تحيي الهائم الظمئان، قلت له يوما، يا سيدي علم الله تعالى أني أحبك فقال لي: ابشر أني رأيت رسول الله ﷺ في النوم، فقال لي:) يا محمد رزقك الله التقوى وحببك إلى خلقه وجعل من يحبك من عبادة المؤمنين قال ﵁: فمن علمت أنه يحبني علمت أنه من عباده المؤمنين (سمعت من لفظه ﵁ جميع تآليفه البديع المزري بروض الربى وزهر الربيع الذي سماه مهب نواسم المدائح، ومصب غمائم المنائح، في مدح أحد حجاب، الخلافة الحفصية، ونقلته من خطه وصححته عليه، وسمعت وقرأت عليه، وأجازني وكتب لي بخطه، ومولده في الثاني عشر لشهر ربيع الثاني عام اثنين وثمانين وستمائة، وأخبرني ﵁ قال: حضرت محتفلة عند بعض الأصحاب انشد فيه المسمع قصيدة ابن صردر العراقي فأعجبت بها، وما أتمها إلا وقد أشربت فؤادي من سمعة واحدة، وعرضتها في الحين على من حضر وهي:
لحاجة نفس ما يفيق غرورها ... وحاجة صب ليس يفضي يسيرها
أكفكفها هطلا على كل منزل ... فلو أنها أرض لغارت بحورها
وما ينفع العين التسهد والبكا ... أذن تعرفا لي مقلة أستعيرها
وقفنا صفوفا بالديار كأنها ... أهذي التي تهوى فقلت نظيرها
لئن أشبهت أجيادها وعيونها ... لقد خالفت أعجازها وصدورها
ووالله ما أدري غداة رمينى ... أتلك سهام أو كئوس تديرها؟
فان كن من نبل فأين حفيفها ... وان كن من خمر فأين سرورها؟
وان قلتما لي ليس في الأرض جنة ... أما هذه فوق الركائب حورها
يعز على الهيم الخوانس وردها ... إذا كان ما بين الشفاه غديرها!
1 / 18