============================================================
ذات ليلة إذ أتاه فقير فقالت له امرأته: اعتذر منه فما عندنا في هذه الساعة شيء، فلما أراد القيام إليه، لم يستطع، وأمكت رجلاه عن المشي، فوقع في نفسه أن ذلك حال الفقير فغير نيته وعزم على إكرامه، فانطلقت رجله ومشى إليه وأدخله البيت وقال لامرأته: اصنعي لنا طعاما فكرهت فلازمها على ذلك، فلم تقعل، فقام بنفسه وجعل يطحن، فلما رأت منه ذلك قامت وعملت لهم عصيدة فأكل هو والفقين فلما فرغا مسح الفقير على رأسه وصدره وودعه، فلما افترقا وقع في قلبه العزم على الحج، فباع غنمه وقضى دينا عليه واستعان بباقي تمنه على الحج، فلما رجع تقدم إلى الجند، إذ هي قريبة من بلده، فوجد بها اعة من المشايخ فقصد شيخا منهم، يقال له: عبدالله الرميش، بضم الراء على التصغير واخره شين معجمة فصحبه ولزم خدمة الرباط، وأقام عنده مدة حتى ظهرت عليه كرامات عظيمة وأحوال خارقة، وسمع الشيخ عبدالله في بعض الأيام خطابا أنه ليس من أصحابك، بل هو من أصحاب الشيخ أي الغيث بن جيل، فقال له: يا علي تقدم إلى الشيخ أبي الغيث هو شيخك فبادر ونزل إليه.
ويروى أن الشيخ أبا الغيث بن جميل كان يقول لأصحابه: يقدم عليكم في هذه الأيام فقير كبير القدر من هذه الجهة، ويشير إلى الجهة التي جاء منها، وكان الفقراء كل يوم يخرجون للقائه، فلما كان اليوم الذي جاء فيه خرجوا كعادتهم ووقفوا حتى أحرقتهم الشمس، ثم دخلوا فوصل بعد دخوهم ودخل الرباط، ولم لوا به فلما راه الشيخ أبو الغيت، رحب به وحكمه، وكان قد تنور بصحبة الفقيه الشيخ عبدالله الرميش، ثم ازداد بنظر الشيخ أي الغيث تزكية.
كان بعض الصالحين يقول: كانت تساجة صاحب المقداحة للمرميش، وقصارته للشيخ أبي الغيث، فأقام عند الشيخ أبي الغيث مدة حتى كمل تهذبه به، ثم رجع إلى بلده وقصد مسجدا خرابا في الموضع المعروف بالمقداحة، وهي بكسر الميم وسكون القاف وقبل الألف دال وبعده حاء وهاء مهملتان، وكان يومئذ لم يسكن عنده ساكن، فاعتكف في المسجد، فلما كان بعد أيام، علم به الناس)
مخ ۲۱۴