108

الکائنات او بُد

الكون والفساد من كتاب الشفاء

ژانرونه

إن السبب الخارج العارض قد يكون سببا لصورة طبيعية يتنوع بها المادة. ويتضح هذا فضل إيضاح فى الصناعة الحكمية الإلهية. ونعم ما أوجبت العناية الإلهية إسكان النار فى حيز الحركة، وإلا لكان كل ما نتوهمه أنه يحصل هناك، مما ليس بنار من الأجسام العنصرية ينقلب نارا فيتحرك إلى حيز النار الأخرى، إن لم يكن حيزه تلك المجاورة، ويعقبه غيره. فلا تزال النارية تتضاعف حتى تفسد ما ليس بنار.

وأما التشكك المبنى على أن الحار ما باله يصعد قبل استحالة صورته الطبيعية، كما يصعد البخار والدخان. والبارد لا يفعل ذلك، فقد يمكن أن يجاب عنه بوجوه من الأجوبة :

من ذلك أن الحار، فى الجملة، أقوى من البارد. ولذلك مالا يطاق النار. والماء والجمد لا يبلغ واحد منهما من برده الطبيعى أن لا يطاق، وقد يبلغ ذلك من حره العرضى، فكيف الشىء الذى فى طبيعته حار! فيشبه أن يكون الحار لقوته يغلب مقتضى جوهر الشىء وطبيعته، ولا يقدر عليه البارد؛ أو يشبه أن يكون البرد يهبط أيضا ما يعرض له، وإن لم يحل المعروض له عن جوهره، ولم يغيره، كما إذا استحال الهواء ضبابا عن برد فانحدر، وهو بعد ضباب. فلا يبعد أن يقال إن الضباب هواء قد برد، ومال إلى أسفل، ولم تبطل صورته الذاتية، كما لم تبطل صورة الماء فى الجمد، أو يكون الشىء البارد الذى يتصعد بالتسخين هو أرض وماء قد يقبلان حرا أشد من حر الهواء، ولا يكونان قد فسدا فسادا تاما. فيظهر صعودهما فى الهواء، ومجاورتهما إياه.

مخ ۱۸۵