وقوله عليه السلام : وزن وخزن ، بلزوم الزاي ، من الباب المسمى لزوم ما لا يلزم ، وهو أحد أنواع البديع ، وذلك أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفا واحدا ؛ هذا في المنثور ، وأما في المنظوم فأن تتساوى الحروف التي قبل الروي مع كونها ليست بواجبة التساوي ، مثال ذلك قول بعض شعراء الحماسة :
بيضاء باكرها النعيم فصاغها . . . بلباقة فأدقها وأجلها
حجبت تحيتها فقلت لصاحبي . . . ما كان أكثرها لنا وأقلها
وإذا وجدت لها وساوس سلوة . . . شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها
ألا تراه كيف قد لزم اللام الأولى من اللامين اللذين صارا حرفا مشددا ! فالثاني منهما هو الروي ، واللام الأول الذي قبله التزام ما لا يلزم ؛ فلو قال في القصيدة : وصلها ، وقبلها ، وفعلها ، لجاز .
واحترزنا نحن بقولنا : مع كونها ليست بواجبة التساوي ، عن قول الراجز ، وهو من شعر الحماسة أيضا :
وفيشة ليست كهذي الفيش . . . قد ملئت من نزق طيش
إذا بدت قلت أمير الجيش . . . من ذاقها يعرف طعم العيش
فإن لزوم الياء قبل حرف الروي ليس من هذا الباب ، لأنه لزوم واجب ، ألا ترى أنه لو قال في هذا الرجز : البطش والفرش والعرش لم يجز ، لأن الردف لا يجوز أن يكون حرفا خارجا عن حروف العلة . وقد جاء من اللزوم في الكتاب العزيز مواضع ليست بكثيرة ، فمنها قوله سبحانه : ' فتكون للشيطان وليا ، قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا ' ، وقوله تعالى : ' ولكن كان في ضلال بعيد ، قال لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ' ، وقوله : ' اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ' ، وقوله : ' والطور ، وكتاب مسطور ' ، وقوله : ' بكاهن ولا مجنون ، أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ' ؛ وقوله : ' في سدر مخضود ، وطلح منضود ' ، وقوله : ' فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير ، وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير ' ، والظاهر أن ذلك غير مقصود قصده .
ومما ورد منه في كلام العرب أن لقيط بن زرارة تزوج ابنة قيس بن خالد الشيباني فأحبته ، فلما قتل عنها تزوجت غيره ، فكانت تذكر لقيطا ، فسألها عن حبها له ، فقالت : أذكره وقد خرج تارة في يوم دجن ، وقد تطيب وشرب الخمر ، وطرد بقرا ، فصرع بعضها ، ثم جاءني وبه نضح دم وعبير ، فضمني ضمة ، وشمني شمة ، فليتني كنت مت ثمة .
مخ ۸۶