فإن قيل : أيمكن أن تكون النون زائدة مع الياء ، كما هو في غسلين ، وعفرين ؟ قيل : لو جاء في الأصل صف ، بكسر الصاد لأمكن أن تتوهم الزيادة ، كالزيادة في غسل ، وهو ما يغتسل به ، نحو الخطمي وغيره ، فقيل : غسلين ، لما يسيل من صديد أهل النار ودمائهم ، وكالزيادة في عفر وهو الخبيث الداعي ، فقيل : عفرين ، لمأسدة بعينها . وقيل : عفريت للداهية ، هكذا ذكروه .
ولقائل أن يقول لهم : أليس قد قالوا للأسد : عفرنى ، بفتح العين ، وأصله العفر ، بالكسر ، فقد بان أنهم لم يراعوا في اشتقاقهم وتصريف كلامهم الحركة المخصوصة ، وإنما يراعون الحرف ، ولا كل الحروف ، بل الأصلي منها ؛ فغير ممتنع على هذا عندنا أن تكون الياء والنون زائدتين في صفين .
وصفين : اسم غير منصرف للتانيث والتعريف ، قال :
إني أدين بما دان الوصي به . . . يوم الخريبة من قتل المحلينا
وبالذي دان يوم النهر دنت به . . . وشاركت كفه كفي بصفينا
تلك الدماء معا يا رب في عنقي . . . ثم اسقني مثلها آمين آمينا
الأصل : أحمده استتماما لنعمته ، واستسلاما لعزته ، واستعصاما من معصيته . وأستيعنه فاقة إلى كفايته ؛ إنه لا يضل من هداه ، ولا يئل من عاداه ، ولا يفتقر من كفاه ، فإنه أرجح ما وزن ، وأفضل ما خزن . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة ممتحنا إخلاصها ، معتقدا مصاصها ، نتمسك بها أبدا ما أبقانا ، وندخرها لأهاويل ما يلقانا ؛ فإنها عزيمة الإيمان ، وفاتحة الإحسان ، ومرضاة الرحمن ومدحرة الشيطان . الشرح : وأل ، أي نجا ، يئل . والمصاص : خالص الشيء . والفاقة : الحاجة والفقر . والأهاويل : جمع أهوال ، والأهوال : جمع هول ، فهو جمع الجمع ، كما قالوا : أنعام وأناعيم ، وقيل : أهاويل أصله تهاويل ، وهي ما يهولك من شيء ، أي يروعك ، وإن جاز هذا فهو بعيد ، لأن التاء قل أن تبدل همزة . والعزيمة : النية المقطوع عليها ، ومدحرة الشيطان ، أي تدحره ، أي تبعده وتطرده .
وقوله عليه السلام : استتماما ، واستسلاما ، واستعصاما ؛ من لطيف الكناية وبديعها ، فسبحان من خصه بالفضائل التي لا تنتهي ألسنة الفصحاء إلى وصفها ، وجعله إمام كل ذي علم ، وقدوة كل صاحب خصيصة ! وقوله : فإنه أرجح ، الهاء عائدة إلى ما دل عليه قوله : أحمده ، يعني الحمد ، والفعل يدل على المصدر ، وترجع الضمائر إليه كقوله تعالى : ' بل هو شر ' وهو ضمير البخل الذي دل عليه قوله : ' يبخلون ' .
لزوم ما لا يلزم أحد أنواع البديع
مخ ۸۵