ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل ، أو كتاب منزل ، أو حجة لازمة ، أو محجة قائمة ، رسل لا تقصر بهم قلة عددهم ، ولا كثرة المكذبين لهم ، من سابق سمي له من بعده ، أو غابر عرفه من قبله .
الشرح : اجتالهم الشياطين : أدارتهم ، تقول : اجتال فلان فلانا ، واجتاله عن كذا وعلى كذا ، أي أداره عليه ، كأنه يصرفه تارة هكذا ، وتارة هكذا ، يحسن له فعله ، ويغريه به .
وقال الراوندي : اجتالتهم : عدلت بهم ، وليس بشيء .
وقوله عليه السلام : واتر إليهم أنبياءه ، أي بعثهم وبين كل نبيين فترة ، وهذا مما تغلط فيه العامة فتظنه كما ظن الراوندي أن المراد به المرادفة والمتابعة . والأوصاب : الأمراض . والغابر : الباقي ، ويسأل في هذا الفصل عن أشياء : منها ، عن قوله عليه السلام : أخذ على الوحي ميثاقهم . والجواب ، أن المراد أخذ على أداء الوحي ميثاقهم ، وذلك أن كل رسول أرسل فمأخوذ عليه أداء الرسالة ، كقوله تعالى : ' يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ' .
ومنها أن يقال : ما معنى قوله عليه السلام : ليستأدوهم ميثاق فطرته ؟ هل هذا إشارة إلى ما يقوله أهل الحديث في تفسير قوله تعالى : ' وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالو بلى ' ؟ والجواب ، أنه لا حاجة في تفسير هذه اللفظة إلى تصحيح ذلك الخبر ، ومراده عليه السلام بهذا اللفظ أنه لما كانت المعرفة به تعالى وأدلة التوحيد والعدل مركوزة في العقول ، أرسل سبحانه الأنبياء أو بعضهم ، ليؤكدوا ذلك المركوز في العقول . وهذه هي الفطرة المشار إليها بقوله عليه السلام : ' كل مولود يولد على الفطرة ' .
ومنها أن يقال : إلى ماذا يشير بقوله : أو حجة لازمة ؟ هل هو إشارة إلى ما يقوله الإمامية ، من أنه لا بد في كل زمان من وجود إمام معصوم ؟ الجواب ، أنهم يفسرون هذه اللفظة بذلك ويمكن أن يكون المراد بها حجة العقل .
وأما القطب الراوندي ، فقال في قوله عليه السلام : واصطفى سبحانه من ولده أنبياء : الولد يقال على الواحد والجمع ، لأنه مصدر في الأصل ، وليس بصحيح ، لأن الماضي فعل بالفتح ، والمفتوح لا يأتي مصدره بالفتح ، ولكن فعلا مصدر فعل بالكسر ، كقولك : ولهت عليه ولها ، ووحمت المرأة وحما .
مخ ۷۵