ومنها أن يقال : لماذا أخر نفخ الروح في جثة آدم مدة طويلة ، فقد قيل : إنه بقي طينا تشاهده الملائكة أربعين سنة ، ولا يعلمون ما المراد به ؟ والجواب ، يجوز أن يكون في ذلك لطف للملائكة ، لأنهم تذهب ظنونهم في ذلك كل مذهب ، فصار كإنزال المتشابهات الذي تحصل به رياضة الأذهان وتخريجها ، وفي ضمن ذلك يكون اللطف . ويجوز أن يكون في أخبار ذرية آدم بذلك فيما بعد لطف بهم ، ولا يجوز إخبارهم بذلك إلا إذا كان المخبر عنه حقا .
ومنها أن يقال : ما المعني بقوله : ثم نفخ فيها من روحه ؟ الجواب ، أن النفس لما كانت جوهرا مجردا ، لا متحيزة ولا حالة في المتحيز حسن لذلك نسبتها إلى البارئ ، لأنها أقرب إلى الانتساب إليه من الجثمانيات . ويمكن أيضا أن تكون لشرفها مضافة إليه ، كما يقال : بيت الله ، للكعبة وأما النفخ فعبارة عن إفاضة النفس على الجسد ، ولما كان نفخ الريح في الوعاء عبارة عن إدخال الريح إلى جوفه ، وكان الإحياء عبارة عن إفاضة النفس عن الجسد ، ويستلزم ذلك حلول القوى والأرواح في الجثة باطنا وظاهرا ، سمي ذلك نفخا مجازا .
ومنها أن يقال : ما معنى قوله : معجونا بطينة الألوان المختلفة ؟ الجواب ، أنه عليه السلام قد فسر ذلك بقوله : من الحر والبرد والبلة والجمود ، يعني الرطوبة واليبوسة ، ومراده بذلك المزاج الذي هو كيفية واحدة حاصلة من كيفيات مختلفة ، قد انكسر بعضها ببعض . قوله : معجونا ، صفة إنسانا .
والألوان المختلفة ، يعني الضروب والفنون ، كما تقول : في الدار ألوان من الفاكهة .
ومنها أن يقال : ما المعني بقوله : واستأدى الملائكة وديعته لديهم ؟ وكيف كان هذا العهد الوصية بينه وبينهم ؟ الجواب : أن العهد والوصية هو قوله تعالى : ' إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ' .
ومنها أن يقال : كيف كانت شبهة إبليس وأصحابه في التعزز بخلقة النار ؟ الجواب ، لما كانت النار مشرقة بالذات والأرض مظلمة ، وكانت النار أشبه بالنور ، والنور أشبه بالمجردات ، جعل إبليس ذلك حجة احتج بها في شرف عنصره على عنصر آدم عليه السلام ، ولأن النار أقرب إلى الفلك من الأرض ، وكل شيء كان أقرب إلى الفلك من غيره كان أشرف ، والبارئ تعالى لم يعتبر ذلك ، فعل سبحانه ما يعلم أنه المصلحة والصواب .
مخ ۶۶