واستأدى الله سبحانه وتعالى الملائكة وديعته لديهم ، وعهد وصيته إليهم ، في الإذعان بالسجود له ، والخنوع لتكرمته ، فقال لهم : ' اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ' وقبيله ؛ اعترتهم الحمية ، وغلبت عليهم الشقوة ، وتعززوا بخلقة النار ، واستوهنوا خلق الصلصال ؛ فأعطاه الله النظرة استحقاقا للسخطة ، واستتماما للبيلة ، وإنجازا للعدة ، فقال : ' فإنك من المنظرين ، إلى يوم الوقت المعلوم ' .
الشرح : الحزن : ما غلظ من الأرض . وسبخها : ما ملح منها . وسنها بالماء ، أي ملسها ، قال :
ثم خاصرتهاإلى القبة الخض . . . راء تمشي في مرمر مسنون أي مملس . ولاطها ، من قولهم : لطت الحوض بالطين ، أي ملطته وطينته به . والبلة بفتح الباء . من البلل ولزبت ، بفتح الزاي ، أي التصقت وثبتت . فجبل منها ، أي خلق . والأحناء : الجوانب ، جمع حنو . وأصلدها : جعلها صلدا ، أي صلبا متينا . وصلصلت : يبست ، وهو الصلصال . ويختدمها : يجعلها في مآربه وأوطاره كالخدم الذين تستعملهم وتستخدمهم . واستأدى الملائكة وديعته : طلب منهم أدائها . والخنوع : الخضوع . والشقوة ، بكسر الشين ، وفي الكتاب العزيز : ' ربنا غلبت علينا شقوتنا ' . واستوهنوا : عدوه واهنا ضعيفا . والنظرة ، بفتح النون وكسر الظاء : الإمهال والتأخير . فأما معاني الفصل فظاهرة ، وفيه مع ذلك مباحث : منها أن يقال : اللام في قوله : لوقت معدود ، بماذا تتعلق ؟ والجواب ، أنها تتعلق بمحذوف تقديره : حتى صلصلت كائنة لوقت ، فيكون الجار والمجرور في موضع الحال ، ويكون معنى الكلام أنه أصلدها حتى يبست وجفت معدة لوقت معلوم ، فنفخ حينئذ روحه فيها . ويمكن أن تكون اللام متعلقة بقوله : فجبل ، أي جبل وخلق من الأرض هذه الجثة لوقت ، أي لأجل وقت معلوم ، وهو يوم القيامة .
ومنها أن يقال : لماذا قال : من حزن الأرض وسهلها ، وعذبها وسبخها ؟ والجواب ، أن المراد من ذلك أن يكون الإنسان مركبا من طباع مختلفة ، وفيه استعداد للخير والشر ، والحسن والقبح .
مخ ۶۵