ومنها أن يقال : كيف يجوز السجود لغير الله تعالى ؟ والجواب ، أنه قيل : إن السجود لم يكن إلا لله تعالى ، وإنما كان آدم عليه السلام قبلة . ويمكن أن يقال : إن السجود لله على وجه العبادة ، ولغيره على وجه التكرمة ؛ كما سجد أبو يوسف وإخوته له . ويجوز أن تختلف الأحوال والأوقات في حسن ذلك وقبحه .
ومنها أن يقال : كيف جاز على ما تعتقدونه من حكمة البارئ أن يسلط إبليس على المكلفين ؛ أليس هذا هو الاستفساد الذي تأبونه وتمنعونه ! والجواب ، أما الشيخ أبو علي رحمه الله فيقول : حد المفسدة ما وقع عند الفساد ، ولولا لم يقع مع تمكن المكلف من الفعل في الحالين ، ومن فسد بدعاء إبليس لم يتحقق فيه هذا الحد ، لأن الله تعالى علم أن كل من فسد عند دعائه ، فإنه يفسد ، ولو لم يدعه .
وأما أبو هاشم رحمه الله ، فيحد المفسد بهذا الحد أيضا ، ويقول : إن في الإتيان بالطاعة مع دعاء إبليس إلى القبيح مشقة زائدة على مشقة الإتيان بها ، لو لم يدع إبليس إلى القبيح ، فصار الإتيان بها مع اعتبار دعاء إبليس إلى خلافها خارجا عن الحد المذكور ، وداخلا في حيز التمكن الذي لو فرضنا ارتفاعه لما صح من المكلف الإتيان بالفعل ، ونحن قلنا في الحد مع تمكن المكلف من الإتيان بالفعل في الحالين .
ومنها أن يقال : كيف جاز للحكيم سبحانه أن يقول لإبليس : ' إنك من المنظرين ' إلى يوم القيامة ! وهذا إغراء بالقبيح ، وأنتم تمنعون أن يقول الحكيم لزيد : أنت لا تموت إلى سنة ، بل إلى شهر أو يوم واحد ، لما فيه من الإغراء بالقبيح ، والعزم على التوبة قبل انقضاء الأمد .
والجواب ، أن أصحابنا قالوا : إن البارئ تعالى لم يقل إبليس : إني منظرك إلى يوم القيامة ، وإنما قال : ' إلى يوم الوقت المعلوم ' ، وهو عبارة عن وقت موته واخترامه ، وكل مكلف من الإنس والجن منظر إلى يوم الوقت المعلوم على هذا التفسير ، وإذا كان كذلك لم يكن إبليس عالما أنه يبقى لا محالة ، فلم يكن في ذلك إغراء له بالقبيح .
فإن قلت : فما معنى قوله عليه السلام : وإنجازا للعدة ؟ أليس معنى ذلك أنه قد كان وعده أن يبقيه إلى يوم القيامة ! قلت : إنما وعده الإنظار ، ويمكن أن يكون ليوم القيامة وإلى غيره من الأوقات ولم يبين فيه ، فهو تعالى أنجز له وعده في الإنظار المطلق ، وما من وقت إلا ويجوز فيه أن يخترم إبليس فلا يحصل الإغراء بالقبيح . وهذا الكلام عندنا ضعيف . ولنا فيه نظر مذكور في كتبنا الكلامية .
مخ ۶۷