واتفق أهل الكتب على أن رؤساء الملائكة وأعيانهم الأربعة : جبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل ، وهو ملك الموت . وقالوا : إن إسرافيل صاحب الصور وإليه النفخة ، وإن ميكائيل صاحب النبات والمطر ، وإن عزرائيل على أرواح الحيوانات ، وإن جبرائيل على جنود السموات والأرض كلها ، وإليه تدبير الرياح ، وهو ينزل إليهم كلهم بما يؤمرون به . وروى أنس بن مالك أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما هؤلاء الذين استثنى بهم في قوله تعالى : ' فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ' ؟ فقال : ' جبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل ؛ فيقول الله عز وجل لعزرائيل : يا ملك الموت ، من بقي ؟ وهو سبحانه أعلم - فيقول : سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام ! بقي جبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وملك الموت ؛ فيقول : يا ملك الموت ، خذ نفس إسرافيل ، فيقع في صورته التي خلق عليها كأعظم ما يكون من الأطواد ، ثم يقول : - وهو أعلم - من بقي يا ملك الموت ؟ فيقول : سبحانك ربي يا ذا الجلال والإكرام ! جبرائيل ، وميكائيل ، وملك الموت ؛ فيقول : خذ نفس ميكائيل ، فيقع في صورته التي خلق عليها ، وهي أعظم ما يكون من خلق إسرافيل بأضعاف مضاعفة . ثم يقول سبحانه : يا ملك الموت ، من بقي ؟ فيقول : سبحانك ربي ذا الجلال والإكرام ! جبرائيل ، وملك الموت ؛ فيقول تعالى : يا ملك الموت ، مت فيموت ويبقى جبرائيل - وهو من الله تعالى بالمكان الذي ذكر لكم - فيقول الله : يا جبرائيل ، إنه لا بد من أن يموت أحدنا ، فيقع جبرائيل ساجدا يخفق بجناحيه ، يقول : سبحانك ربي وبحمدك ! أنت الدائم القائم الذي لا يموت ؛ وجبرائيل الهالك الميت الفاني ، فيقبض الله روحه ، فيقع على ميكائيل وإسرافيل ، وإن فضل خلقه على خلقهما كفضل الطود العظيم على الظرب من الظراب ' .
وفي الأحاديث الصحيحة أن جبرائيل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورة دحية الكلبي ، وأنه كان يوم بدر على فرس اسمه حيزوم ، وإنه سمع ذلك اليوم صوته : أقدم حيزوم .
والكروبيون عند أهل الملة سادة الملائكة ، كجبرائيل وميكائيل . وعند الفلاسفة أن سادة الملائكة هم الروحانيون - يعنون العقول الفعالة وهي المفارقة للعالم الجسماني المسلوبة التعلق به ، لا بالحول و لابالتدبير . وأما الكروبيون فدون الروحانيون في المرتبة وهي أنفس الأفلاك المدبرة لها ، الجارية منها مجرى نفوسنا مع أجسامنا .
ثم هي على قسمين : قسم أشرف وأعلى من القسم الآخر ، فالقسم الأشرف ما كان نفسا ناطقة غير حالة في جرم الفلك ، كأنفسنا بالنسبة إلى أبداننا . والقسم الثاني ما كان حالا في جرم الفلك ، ويجري ذلك مجرى القوى التي في أبداننا ، كالحس المشترك والقوة الباصرة .
منها في صفة خلق آدم عليه السلام : الأصل : ثم جمع سبحانه من حزن الأرض وسهلها ، وعذبها وسبخها ، تربة سنها بالماء حتى خلصت ، ولاطها بالبلة حتى لزبت ، فجبل منها ذات أحناء ، ووصول وأعضاء ، وفصول أجمدها حتى استمسكت ، وأصلدها حتى صلصلت ، لوقت معدود ، وأجل معلوم .
ثم نفخ فيها من روحه فتمثلت إنسانا ذا أذهان يجيلها ، وفكر يتصرف بها ، وجوارح يختدمها ، وأدوات يقلبها ، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل ، والأذواق والمشام ، والألوان والأجناس ، معجونا بطينة الألوان المختلفة ، والأشباه المؤتلفة ، والأضداد المتعادية ، والأخلاط المتباينة ، من الحر والبرد ، والبلة والجمود ، والمساءة والسرور .
مخ ۶۴