وقد جعلهم عليه السلام في هذا الفصل أربعة أقسام : القسم الأول : أرباب العبادة ؛ فمنهم من هو ساجد أبدا لم يقم من سجوده ليركع ، ومنهم من هو راكع أبدا لم ينتصب قط ، ومنهم الصافون في الصلاة بين يدي خالقهم لا يتزايلون ، ومنهم المسبحون الذين لا يملون التسبيح والتحميد له سبحانه .
والقسم الثاني : السفراء بينه تعالى وبين المكلفين من البشر بتحمل الوحي الإلهي إلى الرسل ، والمختلفون بقضائه وأمره إلى أهل الأرض .
والقسم الثالث ضربان : أحدهما حفظة العباد كالكرام الكاتبين ، وكالملائكة الذين يحفظون البشر من المهالك والورطات ؛ ولولا ذلك لكان العطب أكثر من السلامة . وثانيهما سدنة الجنان .
القسم الرابع : حملة العرش ، ويجب أن يكون الضمير في دونه ، - وهو الهاء - راجعا إلى العرش لا إلى البارئ سبحانه . وكذلك الهاء في قوله : تحته . ويجب أن تكون الإشارة بقوله : وبين من دونهم ، إلى الملائكة الذين دون هؤلاء في الرتبة .
فأما ألفاظ الفصل فكلها غنية عن التفسير إلا يسيرا ، كالسدنة جمع سادن وهو الخادم ، والمارق : الخارج . وتلفعت بالثوب ، أي التحفت به . وأما القطب الراوندي فجعل الأمناء على الوحي وحفظة العباد وسدنة الجنان قسما واحدا ، فأعاد الأقسام الأربعة إلى ثلاثة . وليس بجيد ، لأنه قال : ومنهم الحفظة ، فلفظة ومنهم ، تقتضي كون الأقسام أربعة ؛ لأنه بها فصل بين الأقسام .
وقال أيضا : معنى قوله عليه السلام : لا يغشاهم نوم العيون ، يقتضي أن لهم نوما قليلا لا يغفلهم عن ذكر الله سبحانه ، فأما البارئ سبحانه فإنه لا تأخذه سنة ولا نوم أصلا ، مع أنه حي ، وهذه هي المدحة العظمى .
ولقائل أن يقول : لو ناموا قليلا لكانوا زمان ذلك النوم - وإن قل - غافلين عن ذكر الله سبحانه ؛ لأن الجمع بين النوم وبين الذكر مستحيل .
مخ ۶۲