ثم قال : وسلطها على شده ، الشد : العدو . ولا يجوز حمل الشد ههنا على العدو ؛ لأنه لا معنى له ، والصحيح ما ذكرناه .
وقال في تفسير قوله عليه السلام : جعل سفلاهن موجا مكفوفا ، أراد تشبيهها بالموج لصفائها واعتلائها . فيقال له : إن الموج ليس بعال ليشبه به الجسم العالي ، وأما صفاؤه فإن كل السموات صافية ، فلماذا خص سفلاهن بذلك ! ثم قال : ويمكن أن تكون السماء السفلى قد كانت أول ما وجدت موجا ثم عقدها . يقال له : والسموات الأخر كذلك كانت ، فلماذا خص السفلى بذلك ! ثم قال : الريح الأولى غير الريح الثانية ، لأن أحداهما معرفة والأخرى نكرة ، وهذا مثل قوله : صم اليوم ، صم يوما ، فإنه يقتضي يومين .
يقال له : ليست المغايرة بينهما مستفادة من مجرد التعريف والتنكير ، لأنه لو قال عليه السلام : وحمله على متن ريح عاصفة وزعزع قاصفة ، لكانت الريحان : الأولى والثانية منكرتين معا ، وهما متغايرتان ، وإنما علمنا تغايرهما ، لأن إحداهما تحت الماء والأخرى فوقه ، والجسم الواحد لا يكون في جهتين .
الأصل : ثم فتق ما بين السموات العلا ، فملأهن أطوارا من ملائكته ؛ فمنهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافون لا يتزايلون ، ومسبحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان .
ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره . ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لأبواب جنانه . ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة ؛ لا يتوهمون ربهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر .
رأي المعتزلة بالملائكة
الشرح : الملك عند المعتزلة حيوان نوري ، فمنه شفاف عادم اللون كالهواء ، ومنه ملون بلون الشمس . والملائكة عندهم قادرون عالمون أحياء بعلوم وقدر وحياة ؛ كالواحد منا ، ومكلفون كالواحد منا ، إلا أنهم معصومون . ولهم في كيفية تكليفهم كلام ؛ لأن التكليف مبني على الشهوة ، وفي كيفية خلق الشهوة فيهم نظر ، وليس هذا الكتاب موضوعا للبحث في ذلك .
مخ ۶۱