ثم قال : الأول على وزن أفعل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، إذا لم يكن فيه الألف واللام ، فإذا كانا فيه قيل للمؤنث الأولى ، وهذا غير صحيح ، لأنه يقال : كلمت فضلاهن ، وليس فيه ألف ولام ، وكان ينبغي أن يقول إذا كان منكرا مصحوبا بمن استوى المذكر والمؤنث في لفظ أفعل ، تقول : زيد أفضل من عمرو ، وهند أحسن من دعد . الأصل : كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم ، مع كل شيء بمقارنة ، وغير كل شيء لا بمزايلة ، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، بصير ، إذ لا منظور إليه من خلقه ، متوحد ؛ إذ لا سكن يستأنس به ، ولا يستوحش لفقده . أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء ، بلا روية أجالها ، ولا تجربة استفادها ، ولا حركة أحدثها ، ولا همامة نفس اضطرب فيها . أحال الأشياء لأوقاتها ، ولاءم بين مختلفاتها ، وغرز غرائزها ، وألزمها أشباحها ، عالما بها قبل ابتدائها ، محيطا بحدودها وانتهائها ، عارفا بقرائنها وأحنائها .
الشرح : قوله عليه السلام : كائن ، وإن كان في الاصطلاح العرفي مفعولا على ما ينزه البارئ عنه ، فمراده به المفهوم اللغوي ، وهو اسم فاعل من كان ، بمعنى وجد ، كأنه قال : موجود غير محدث .
فإن قيل : فقد قال بعده : موجود لا عن عدم ، فلا يبقى بين الكلمتين فرق .
قيل : بينهما فرق ، ومراده بالموجود لا عن عدم ههنا وجوب وجوده ونفي إمكانه ، لأن من أثبت قديما ممكنا ، فإنه وإن نفى حدوثه الزماني فلم ينف حدوثه الذاتي ، وأمير المؤمنين عليه السلام نفى عن البارئ تعالى في الكلمة الأولى الحدوث الزماني ، ونفى عنه في الكلمة الثانية الذاتي . وقولنا في الممكن : إنه موجود من عدم ، صحيح عند التأمل ، لا بمعنى أن عدمه سابق له زمانا ، بل سابق لوجوده ذاتا ، لأن الممكن يستحق من ذاته أنه لا يستحق الوجود من ذاته .
وأما قوله : مع كل شيء لا بمقارنة ، فمراده بذلك أنه يعلم الجزئيات والكليات ، كما قال سبحانه : ' ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ' .
وأما قوله : وغير كل شيء لا بمزايلة ، فحق ، لأن الغيرين في الشاهد هما ما زايل أحدهما الآخر وباينه بمكان أو زمان ، والبارئ سبحانه يباين الموجودات مباينة منزهة عن المكان والزمان ، فصدق عليه أنه غير كل شيء لا بمزايلة .
وأما قوله : فاعل لا بمعنى الحركات والآلة ، لأن فعله اختراع ، والحكماء يقولون : إبداع ، ومعنى الكلمتين واحد ؛ وهو أنه لا يفعل لا بالحركة والآلة كما يفعل الواحد منا ، ولا يوجد شيئا من شيء .
مخ ۵۴