وأما قوله : بصير ؛ إذ لا منظور إليه من خلقه ، فهو حقيقة مذهب أبي هاشم رحمه الله وأصحابه ، لأنهم يطلقون عليه في الأزل أنه سميع بصير ، وليس هناك مسموع ولا مبصر ، ومعنى ذلك كونه بحال يصح منه إدراك المسموعات والمبصرات إذا وجدت ؛ وذلك يرجع إلى كونه حيا لا آفة به ، ولا يطلقون عليه أنه سامع مبصر في الأزل ، لأن السامع المبصر هو المدرك بالفعل لا بالقوة .
وأما قوله : متوحد ، إذ لا سكن يستأنس به ، ويستوحش لفقده ، فإذ ههنا ظرف ، ومعنى الكلام أن العادة والعرف إطلاق متوحد على من كان له من يستأنس بقربه ويستوحش ببعده فانفرد عنه ، والبارئ سبحانه يطلق عليه أنه متوحد في الأزل ولا موجود سواه ؛ وإذا صدق سلب الموجودات كلها في الأزل صدق سلب ما يؤنس أو يوحش ؛ فتوحده بخلاف توحد غيره .
وأما قوله عليه السلام : أنشأ الخلق إنشاء ، وابتدأه ابتداء ، فكلمتان مترادفتان على طريقة الفصحاء والبلغاء ؛ كقوله سبحانه : ' لا يمسنا فيها لغوب ' . وقوله : ' لكل جعلنا منكم شرعة منهاجا ' .
وقوله : بلا روية أجالها ، فالروية الفكرة ، وأجالها : رددها ؛ ومن رواه : أحالها بالحاء ، أراد صرفها . قوله : ولا تجربة استفادها ، أي لم يكن قد خلق من قبل أجساما فحصلت له التجربة التي أعانته على خلق هذه الأجسام .
وقوله : ولا حركة أحدثها ، فيه رد على الكرامية الذين يقولون : إنه إذا أراد أن يخلق شيئا مباينا عنه أحدث في ذاته حادثا ، يسمى الإحداث ، فوقع ذلك الشيء المباين عن ذلك المعنى المتجدد المسمى إحداثا .
وقوله : ولا همامة نفس اضطرب فيها ، فيه رد على المجوس والثنوية القائلين بالهمامة ، ولهم فيها خبط طويل يذكره أصحاب المقالات ، وهذا يدل على صحة ما يقال : إن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعرف آراء المتقدمين والمتأخرين ، ويعلم العلوم كلها وليس ذلك ببعيد من فضائله ومناقبه عليه السلام .
مخ ۵۵