وأما قوله : وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، فهو تصريح بالتوحيد الذي تذهب إليه المعتزلة ، وهو نفي المعاني القديمة التي تثبتها الأشعرية وغيرهم ، قال عليه السلام : لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ؛ وهذا هو دليل المعتزلة بعينه ، قالوا : لو كان عالما بمعنى قديم ، لكان ذلك المعنى إنما هو أو غيره ، أو ليس هو ولا غيره . والأول باطل ؛ لأنا نعقل ذاته قبل أن نعقل أو نتصور له علما ؛ والمتصور مغاير لما ليس بمتصور . والثالث باطل أيضا ، لأن إثبات شيئين : أحدهما ليس هو الآخر ولا غيره ، معلوم فساده ببديهة العقل ، فتعين القسم الثاني وهو محال ، أما أولا فبإجماع أهل الملة ، و أما ثانيا فلما سبق من أن وجوب الوجود لا يجوز أن يكون لشيئين ؛ فإذا عرفت هذا فاعرف أن الإخلاص له تعالى قد يكون ناقصا وقد لا يكون ، فالإخلاص الناقص هو العلم بوجوب وجوده ، وأنه واحد ليس بجسم ولا عرض ، ولا يصح عليه ما يصح على الأجسام والأعراض . والإخلاص التام هو العلم بأنه لا تقوم به المعاني القديمة ، مضافا إلى تلك العلوم السابقة ؛ وحينئذ تتم المعرفة وتكمل .
ثم أكد أمير المؤمنين عليه السلام هذه الإشارات الإلهية بقوله : فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، وهذا حق ؛ لأن الموصوف يقارن الصفة ، والصفة تقارنه .
قال : ومن قرنه فقد ثناه ، وهذا حق ، لأنه قد أثبت قديمين ، وذلك محض التثنية .
قال : ومن ثناه فقد جزأه ؛ وهذا حق ، لأنه إذا أطلق لفظة الله تعالى على الذات والعلم القديم فقد جعل مسمى هذا اللفظ وفائدته متجزئة ، كإطلاق لفظ الأسود على الذات التي حلها سواد .
قال : ومن جزأه فقد جهله ، وهذا حق ، لأن الجهل هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به . قال : ومن أشار إليه فقد حده ، وهذا حق ، لأن كل مشار إليه فهو محدود ؛ لأن المشار إليه لا بد أن يكون في جهة مخصوصة ، وكل ما هو في جهة فله حد وحدود ؛ أي أقطار وأطراف ، قال : ومن حده فقد عده ، أي جعله من الأشياء المحدثة ، وهذا حق ، لأن كل محدود معدود في الذوات المحدثة .
قال : ومن قال : فيم ؟ فقد ضمنه ، وهذا حق لأن من تصور أنه في شيء فقد جعله إما جسما مستترا في مكان ، أو عرضا ساريا في محل ، والمكان متضمن للتمكن ، والمحل متضمن للعرض .
مخ ۵۲