وأما قوله : وإذا لم يشرف على حمده بالقول فكيف يوصل إليه بالفعل ! ، فكلام مبني على أن الحمد قد يكون بالفعل ، وهو خلاف ما يقوله أرباب هذه الصناعة .
وقوله : والإله مصدر بمعنى المألوه كلام طريف ، أما أولا ، فإنه ليس بمصدر ؛ بل هو اسم ، كوجار للضبع وسرار للشهر ؛ هو اسم جنس كالرجل والفرس ، يقع على كل معبود بحق أو باطل ، ثم غلب على المعبود بالحق ، كالنجم اسم لكل كوكب ثم غلب على الثريا ، والسنة : اسم لكل عام ثم غلب على عام القحط . وأظنه رحمه الله لما رآه فعالا ، ظن أنه مصدر كالحصاد والجذاذ وغيرهما . وأما ثانيا ؛ فلأن المألوه صيغة مفعول ، وليست صيغة مصدر إلا في ألفاظ نادرة ، كقولهم : ليس له معقول ولا مجلود ، ولم يسمع مألوه في اللغة ، لأنه قد جاء : أله الرجل إذا دهش وتحير ؛ وهو فعل لازم لا يبنى منه مفعول . ثم قال الراوندي وفي قول الله تعالى : ' وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ' ، بلفظ الإفراد ، وقول أمير المؤمنين عليه السلام ، لا يحصي نعماءه العادون ، بلفظ الجمع . سر عجيب ، لأنه تعالى أراد أن نعمة واحدة من نعمه لا يمكن العباد عد وجوه كونها نعمة ، وأراد أمير المؤمنين عليه السلام أن أصول نعمه لا تحصى لكثرتها ، فكيف تعد وجوه فروع نعمائه ! وكذلك في كون الآية واردة بلفظ إن الشرطية ، وكلام أمير المؤمنين عليه السلام على صيغة الخبر ، تحته لطيفة عجيبة ؛ لأنه سبحانه يريد أنكم إن أردتم أن تعدوا نعمه لم تقدروا على حصرها ، وعلي عليه السلام أخبر أنه قد أنعم النظر ، فعلم أن أحدا لا يمكنه حصر نعمه تعالى .
ولقائل أن يقول : الصحيح أن المفهوم من قوله : ' وإن تعدوا نعمة الله ' الجنس ؛ كما يقول القائل : أنا لا أجحد إحسانك إلي ، وامتنانك علي ، ولا يقصد بذلك إحسانا واحدا ، بل جنس الإحسان .
وما ذكره من الفرق بين كلام البارئ وكلام أمير المؤمنين عليه السلام غير بين ، فإنه لو قال تعالى : وإن تعدوا نعم الله ، وقال عليه السلام : ولا يحصي نعمته العادون ، لكان كل واحد منهما سادا مسد الآخر .
أما اللطيفة الثانية فغير ظاهرة أيضا ولا مليحة ؛ لأنه لو انعكس الأمر ؛ فكان القرآن بصيغة الخبر وكلام علي عليه السلام بصيغة الشرط ، لكان مناسبا أيضا ، حسب مناسبته ، والحال بعكس ذلك ، اللهم إلا أن تكون قرينة السجعة من كلام علي عليه السلام تنبو عن لفظة الشرط ، وإلا فمتى حذفت القرينة السجيعة عن وهمك لم تجد فرقا ، ونحن نعوذ بالله من التعسف والتعجرف الداعي إلى ارتكاب هذه الدعاوى المنكرة .
مخ ۴۶