ثم اعتبروا الصحبة - بهذا المفهوم - أمرا يوجب التعظيم، والثناء، والتغاضي عما صدر عن المتصفين بها، والحكم بأنهم عدول لا يخضع أحد منهم لتقييم ولا نقد، كما هو المشهور عن جمهور المحدثين. قال ابن حجر: «اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول»(1). وقال القاضي عياض: «ذهب معظم العلماء إلى أن من صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورآه مرة من عمره، وحصلت له مزية الصحبة، أفضل من كل من يأتي بعد، فإن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل»(2). وقال ابن حزم: « وكلهم عدل إمام فاضل رضا، فرض علينا توقيرهم وتعظيمهم، وأن نستغفر لهم ونحبهم، وتمرة يتصدق بها أحدهم أفضل من صدقة أحدنا بما يملك، وجلسة من الواحد منهم مع النبي أفضل من عبادة أحدنا دهره كله.. إلى أن قال: وكلهم عدول فاضل من أهل الجنة»(3).
ويؤخذ على هذا المفهوم أنه وإن كان قريبا من المعنى اللغوي، فإنه ليس دقيقا في المعنى الشرعي الذي هو المراد هنا؛ لأنه يشمل المغفلين، والجهالة، والعوام، ولا يستثني القتلة، والمجرمين، وسيئي السيرة والسلوك، فضلا عمن اردتد عن الإسلام تارة وعاد إليه أخرى في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعد وفاته، حسب ما ذكر ابن حجر في (الإصابة)(4).
ولعل هذا ما اضطر بعض المحدثين والمدافعين عنهم إلى تعديل الفكرة وتقديمها بشكل آخر، رغم المعارضة الشديدة، فقال ابن حزم: «قد كان في المدينة في عصره عليه السلام منافقون بنص القرآن، وكان بها أيضا من لا ترضى حاله، كهيت المخنث الذي أمر عليه السلام بنفيه، والحكم الطريد، وغيرهما، فليس هؤلاء ممن يقع عليهم اسم الصحابة»(5).
مخ ۲۱