سفر من خلال السهب.
ويرقب جواسيس الدراويش ما يقع، ويخبرون الخرطوم بأن التنين الفولاذي النافث للهب يقترب مقدارا فمقدارا، والآن يدعوه الدراويش بالباخرة على الدواليب، وهل يخربونه من جهة النيل؟ وتثور عاصفة لمساعدتهم فتدمر عشرين كيلومترا من الخطوط الحديدية في نصف ساعة، ويتقدم الرجال البيض مع ذلك، ويبدو الرجال البيض أناسا لا يغلبون مع ذلك، فمن كان منهم على السفن فيجاوز الشلالات، ومن كان منهم فوق الأينق
3
فيجوب الصحراء ويسبق الخط الحديدي.
وماذا يحدث لو هزمت كتائب الخليفة في أبي حمد تلك الكتائب المولية وجهها قبل النيل الأعلى؟ وماذا يصبح التنين الفولاذي إذ ذاك؟ بيد أن الإنكليز يستولون على أبي حمد، وتلحق بهم طلائع الصحراء وتحييهم كالفعلة الذين يسيرون من طرفي نفق فيلتقون في نقطة معينة مقدما، الله أكبر! هذا هو ذا النيل، ها هو ذا الماء، ويمكن بعد الآن أن يخف إلى مساعدة بناء الخط الحديدي وإعداد الأرض في الجنوب حتى مصب العطبرة.
ويمضي الخريف والشتاء ، ويكون كتشنر في بربر في شهر مارس، ويعد ساحرا لما يلقيه خطه الحديدي من الرعب أكثر مما يلقيه جنوده، وينطوي سلطان التنين الفولاذي الحافل بالأسرار وحركاته التي لا تدركها الأفهام على قدر لا يعرف الرحمة، ويحمل سودانيو بربر مرضاهم إلى القاطرة ليمسوها، وبالأمس كان لمس ثوب الخليفة يكفي للشفاء، واليوم يتوجهون إلى التنين الذي سيفني الخليفة.
ويدحرج نهر العطبرة غرين جبال الحبشة ومياهها، بيد أنه يجب أن ينصب الجسر عليه بسرعة، وتتمه الشركة الأمريكية، وقد فوض إليها أمر إنشائه، في اثنين وأربعين يوما، ويبلغ طوله 340 مترا، وتمر عليه إنكلترة لتفتح ملتقى النيلين، وذلك بفضل ميكانيين
4
من الأمريكيين وعمال من الأفريقيين.
وفي صباح اليوم الثاني من شهر ديسمبر سنة 1898 ينقض الجيش المؤلف من ثمانية آلاف إنكليزي وثمانية عشر ألف مصري بأسلحتهم الحديثة على جيش الدراويش الضخم في أم درمان الواقعة على الضفة اليسرى من النيل الأبيض، وكانت هذه آخر معركة روائية في القصة لما تخللها من حملات فرسان والتحام بالسلاح الأبيض. واصطراع كتب الفوز فيه للبسالة الشخصية والبطولة، ولمشاهد تذكرنا بألواح المعارك، وتشابه تلك الملحمة معارك فردريك الأكبر التي وقعت منذ مائة وخمسين سنة أكثر من مشابهتها معارك الحرب العظمى التي اشتعلت بعد ست عشرة سنة فوصفها تشرشل بقلمه الرائع.
ناپیژندل شوی مخ