238

نیل: ژوند يو سيند

النيل: حياة نهر

ژانرونه

وبذلك يكون قد انتقم للجنرال غوردون، والأمر هو أن جميع الشعوب وجميع العروق تدعى في كل زمن إلى التكفير، وهذا التكفير أقل نتيجة لنصر البيض واستقرارهم بالسودان مما أصاب الخليفة به البلاد من خراب وضيق على الرغم من وعوده الطنانة، وقد نم ميزان المهدية في عشرين سنة على مليونين من السودانيين بدلا من ثمانية ملايين، وما هي العلة في هلاك تلك الملايين الستة؟ وهل حرك الأمل والزهو نفوسهم؟ وهل رفع الأمل والزهو قيمة حياتهم؟ وهل كانت حياة أولئك الملايين الستة بالغة القصر بالغة التوتر فنزعها المثل الأعلى الجديد منهم؟ وهل للجمهور ربح من تلك المنازعات؟ ويثق مغامر بنفسه أكثر مما يجب مائة مرة، ويساعده بضعة آلاف ويساعدون بذلك أنفسهم، ويمنى الآخرون بضروب الخيبة ويغدون من الضحايا ، وما ينتزعه الخارج من تفكير فلا يفيد من أضلهم الطاغية؛ وذلك لأنهم لم ينفكوا يصرعون في المعارك التي لا نفع منها لهم، ولا لوطنهم.

ولم تكن البنادق السريعة الطلقات، ولا المدافع الحديثة التي نقلت على خطوط الصحراء الحديدية إلى قلب أفريقية، ولا النظام والشجاعة وتجربة القائد الإنكليزي، وحدها عوامل النصر، وقد مضى خمسة عشر عاما، فقد انطفأت نار الإيمان الذي انتشر بين السودانيين كالحريق في السهب، وقد حاول في السنوات التي أتت فيما بعد مهديان صغيران أو ثلاثة مهديين صغار أن يلهبوا ذلك الإيمان مرة ثانية فلم يوفقوا، ومن سعادة من ظلموا أن قضى على الطغيان كما في جميع الأحيان، وانحاز كثير من القبائل إلى الإنكليز طوعا وعن سرور، واختفى الخليفة عاما في البقاع النائية، ثم يحاصره الإنكليز، وينتظر العدو، ويجلس على سجادة كبيرة محاطا بمريديه مبصرا حكم القدر كمسلم صالح، ولا يقاوم، ولا يطلب العفو، ويقتل رزينا بالرصاص هو وأتباعه بالقرب من تلك الجزيرة النيلية التي ظهر المهدي منها.

ويخرب كتشنر قبر المهدي، ويأمر بقلبه رأسا على عقب، لكيلا يصبح محل حج، وتحرق عظامه ويلقى رمادها في النيل ويعبر كتشنر وجنوده النيل الأبيض والنيل الأزرق بعد النصر ويدخلون الخرطوم كما صنع المهدي منذ خمسة عشر عاما، ويتوجهون إلى أنقاض القصر، ويرفع علمان بدلا من علم واحد فوق الكتائب التي صفت على شكل مربع، يرفع العلم الإنكليزي والعلم المصري، وينشد النشيدان الوطنيان ثم نشيد غوردون المفضل: «أقم معي»، ويروى أن كتشنر الثابت الجنان لم يسطع أن يكتم وجده عندئذ عن حنان.

الفصل الثاني عشر

بينما كانت دولة من البيض تمثل دور المنتقم فتستولي على بلد السود كانت تسير على الدرب دولة أخرى منافسة لها محاولة الوصول قبلها، وتبدأ مسابقة يقصر عنها الخيال.

ولم تفتأ فرنسة منذ عشرين عاما تسعى في إقامة إمبراطورية استعمارية أفريقية بتأييد من بسمارك الذي كان يريد أن ينسيها سيدان،

1

وتصادم فرنسة مزاعم إنكلترة على الخصوص، حتى في مصر ما انفكت فرنسة منذ عهد نابليون الأول تكون ذات تأثير عظيم، وتدحرها إنكلترة هنالك، ومما زاد الوضع توترا ما كان من القضايا المعقدة حول توظيف الأموال الآتية من القروض. ولما أصبحت السودان أرضا مباحة - على حسب تعبير رجال السياسة - ودت فرنسة لو تكون لها نقطة ارتكاز على النيل، فأرسلت من ممتلكاتها في الكونغو روادا إلى أعالي بحر الغزال، وتصرح لندن في سنة 1895 بأن ذلك عمل غير ودي، فلم تسطع فرنسة أن تنازع في الأمر لما كانت تعانيه من أزمة حادة، وتعرض فرنسة أن تسهم في حملة كتشنر في نهاية الأمر فترد منافستها عرضها، ومن كان من الفرنسيين يحلم في اقتسام العالم فيثاب بغم مما وقع من تأخر، وفي ذلك الحين تلوح لبعض الرجال خطة خيالية:

ولنقم بهجوم نحو النيل! يسير الإنكليز من الشمال نحو النيل الأوسط، وليسر الفرنسيون من الغرب نحو النيل الأعلى، وكلما اقتربت فرنسة من منبع النيل الحافل بالأسرار زادت قوة، وإذا ما صارت فرنسة سيدة النيل الأبيض في الدرجة الثانية عشرة من العرض الشمالي أزعجت إنكلترة وحرمت مصر - على ما يحتمل - ما تحتاج إليه من الماء بما يبنى من الأسداد، وذلك لعدم كفاية ما يأتي به النيل الأزرق في الدرجة الخامسة عشرة من العرض الشمالي، وهكذا تنطوي القبائل المتوحشة والمناقع المنيعة والسهوب والصحارى والبحيرات على معضلة عالمية تحتاج إلى فصل.

وتحاول فرنسة أن تغامر، ومع ذلك خسرت فرنسة السباق قبل أن تسير؛ وذلك لأن الغالب لا يكون أول من يصل وأول من يرفع علمه، وإنما الغالب هو من يصل في أحوال ملائمة مع رجال كثير ويكون من القوة ما يستطيع به أن يبقى. وهل يقدر الفرنسيون على إنشاء خط حديدي من الكونغو إلى النيل؟ وإذا عدوت رائدين أو ثلاثة رواد لم تجد أحدا قد عبر حوض بحر الغزال، وما كانت تعرف حتى القبائل التي يسار من بينها.

ناپیژندل شوی مخ