2
من عاج، ويذهب أحد الرجلين ضحية الملق العام، ويذهب الآخر ضحية عنفه، وكان المهدي صوالا ماهرا عند تطلعه إلى السلطة فاستفاد من ضنك شعبه وحنينه إلى وطنه، وهو قد خرج بذلك من الفقر والذل اللذين نشأ فيهما وملك بأسلوب استبدادي جمعا سحر بوعوده، وما كان من خفوق علمه ومن هتاف جمهور عن هوس ومن ركوع هذا الجمهور أمامه فقد أوجب إيمانه بأن رسالته إلهية، ويفقد اتزانه الباطني بذلك، ويقضي وقته في المظاهر والاحتفالات لذلك، وتساوره أهواء جامحة فينطق بأحكام قتل وتتراكم خطبه، ويميته الله عما قليل.
ويحل شهر نوفمبر سنة 1883، وكان غلادستن وبسمارك والملكة فيكتورية وولهلم الأول وكريسبي
3
والملك هنبرت
4
وفرنسوا جوزيف وليون الثالث عشر،
5
يسيطرون على أوروبة، ويكترث الجميع - ما عدا الروس - لتقسيم أفريقية التي كان جزء منها موزعا قبل ذلك. وكان انهيار مصر - كدولة حربية ومالية - نذير انقضاض على أفريقية الشرقية، وإذا عدوت الحبشة التي هي حصن طبيعي وجدت القارة بأسرها مفتحة الأبواب لدول البيض وطعمة لها، وليذهب إلى هنالك، وسيقتص من العرب والزنوج سريعا.
ويحدث أمر فظيع لن تسمع بمثله أذن، يحدث قهر ضباط من الإنكليز، وقهر فرق مصرية ألفها هؤلاء الضباط، مع ضرب أعناق وإهانة بعد الموت، من قبل أخلاط من الأعراب والفلاحين والنوبيين والزنوج، وتحاول إنكلترة - على غير جدوى - اجتناب مسئولية يفرضها ما تم لها من سلطان على مصر، ومصر قد أخرجت من النيل الأوسط والنيل الأعلى اللذين استقرت بهما مدة ستين سنة، ولم يصب الهمج أوروبة النصرانية بمثل ذلك الخزي منذ قرون، ويكره سلاطين ولبتن، وأحدهما نمسوي والآخر إنكليزي، وهما حاكمان لمنطقتين سودانيتين، وهما باشوان بفضل الخديو، على التسليم وعلى الركوع أمام المهدي للمبايعة وعلى الارتداد عن دينهما وعلى الجهاد ضد النصارى الكلاب. والآن يبدو هذان الرجلان، اللذان هما من أبناء الطبقة الوسطى بفينة ولندن، العبدين: عبد القادر وعبد الله، والآن يسيران حافيين من جهتي الجواد المطهم
ناپیژندل شوی مخ