الجنود، ويصر المهدي على أصله، ويوكد أن خال خده هو منبع قوته الأدبية، ويذكر أن جميع العلائم أصبحت واضحة، ويستبدل كلمة محمد أحمد بكلمة محمد في جملة: «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» الألفية، ويحتمل أنه أول خطيب عصري أدرك أن الأكذوبة إذا ما كرر ت باستمرار اكتسبت مسحة من الحقيقة.
ويعين أربعة خلفاء كالنبي فيما مضى، ويضع تحت إمرة كل واحد منهم زعماء مساعدين، ويبتدع نظاما معقدا من الأعلام المختلفة الألوان، ويجمع الخليفة عبد الله جيشا عظيما من جميع السودان في أثناء هذه الاحتفالات والخطب ورفع الرايات.
الفصل العاشر
وضع الإنكليز في القاهرة حدا للهرج والمرج وفق مصلحتهم، وضرب الإنكليز الإسكندرية بالمدافع في أثناء فتنة وأعلنوا ضرورة إعادة الأمن إلى نصابه وقبضوا على زمام السلطة، ولاح - بعد هذا النجاح - استعدادهم لمغادرة السودان. ومع ذلك، وعلى الرغم مما حذر به الكولونيل الإنكليزي هيكس من قبل حكومته. وعلى الرغم من معارضة معظم الضباط المصريين، نظم هذا الكولونيل الذي كان مستخدما لدى مصر جيشا لمقاتلة المهدي وإنقاذ السودان.
ويعد هيكس للهزيمة منذ البداءة لجهله لغة البلاد، ولاتخاذه أدلاء من الأعراب يضللونه، ولاستعماله من الأسلحة العصرية ما لا ينفع في حرب العصابات وفي الصحراء، ويبدو عاملان متناقضان في المعركة الحاسمة، فمن جهة ترى المصريين مجهزين بأسلحة حديثة، ولكن من غير أن يعرفوا كيف ينتفعون بها في كل حين. ومن جهة أخرى ترى جيشا يجول في مقدمته رؤساء لابسون دروعا وزرودا وحلقا لوقاية الذرعان والسيقان كما لو كانوا من الصليبيين، وترى سودانيين صاخبين راقصين يتبعونه هازين مزاريقهم، وترى زنوجا عراة رامين أقواسهم في الهواء، ويسير ضابط إنكليزي لابس بذلة صفراء نظيفة وقابض على مسدس حديث نحو أمير نوبي لابس عمامة من حرير وبرنسا مختلف الألوان، ومهزهز سيفه الأحدب الكبير وهامز
1
حصانه العربي، ويكون هذا النوبي غالبا في كل مرة.
ويقضى على الجيش المصري في المساء، ويكون الكولونيل هيكس من آخر من يخرون، ويؤتى برءوس ضباط الإنكليز المقطوعة كغنائم، ولم يفلت من الذبح غير ثلاثمائة رجل على ما يروى.
والمهدي بعد النصر يصبح البطل الحبيب، والمهدي بعد النصر يصبح سيد السودان كله تقريبا، والمهدي يعبر النيل ويدخل الأبيض، ويتقدمه درويش حامل على حربته رأس الكولونيل هيكس المتحجر. وأخيرا - وبعد أسابيع - ينزل الدرويش هذا الرأس لكي يقبل التراب أمام حصان المغامر الماكر، وكان السيف الذي يحمل أمام المهدي خاصا بسلطان دارفور، وكان يشتمل على كتابة لم يسطع أحد حلها، وهي: «الإمبراطور الروماني شارل الخامس»، ومن المحتمل أن كان السيف لصليبي متعوق حارب قرصان الجزائر، فوقع السيف بعد موته بين يدي قبائل متوحشة، فانتقل من يد إلى يد حتى انتهى إلى الصحراء السودانية ، وهكذا يصير سلاح إمبراطور نصراني متدين آية انتصار المسلم النوبي.
وأضحى المهدي يؤمن برسالته بعد تلك الانتصارات، ويعبده الجميع، فيفقد رشده ويثقل فيزيد عدد نسائه مقدارا فمقدارا، ويلبس ثوبا حريريا أصفر وعمامة خضراء وتعتوره نوبات رحمة وجور، ويستولي عليه جنون العظمة فيعاقب رجلا جعل الله فوقه، ويقول إن الرجل - وإن كان صادقا فيما أبداه - فعل ذلك متهجما، ويغدو خليفته رئيس المجلس فيشغل باله - على الخصوص - بأجزاء النسائج التي تخاط على بزته الرسمية، ويتقدم هذا الخليفة - إذا ما خرج - رجل في صور
ناپیژندل شوی مخ