199

لكف عنهم مقتصرا في دعوته إلى دينه بالحكمة والموعظة الحسنة. أطفأ رسول الله صلى الله عليه وآله - في الحديبية - وقدة قلوب هؤلاء المشركين، واستل سخائمهم، وأزال أضغانهم، وأغراهم بسادتهم وكبرائهم، حتى أيقنوا بعدوانهم عليه، وجنايتهم على انفسهم، وبهذا لانت قلوبهم مطمئنة بحسن عواقبهم معه إذا انضموا إلى لوائه، معتصمين بولائه، حكمة بالغة، أعقبت الفتح المبين، والنصر العزيز، ودخول الناس في دين الله أفواجا (240). [رجوعه صلى الله عليه وآله إلى المدينة] كانت اقامته في الحديبية تسعة عشر يوما، قفل بعدها إلى المدينة، فلما كان بكراع الغميم - موضع بين الحرمين - نزلت عليه سورة الفتح، وعمر لا يزال حينئذ آسفا من صد المشركين اياهم عن مكة ورجوعهم وهم على خلاف ما كانوا يأملون من الفتح، فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله حين نزلت عليه السورة أن يزيل بث عمر، ويذهب برحاء صدره. فقال له - كما في صحيح البخاري بالاسناد إليه (1) - " لقد أنزلت علي سورة هي أحب الي مما طلعت عليه الشمس " ثم قرأ: (انا فتحنا لك فتحا مبينا). فقال رجل من اصحابه " ما هذا بفتح (2) لقد صددنا عن البيت، وصد هدينا، ورد رجلان من المؤمنين كانا خرجا الينا " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ": بئس

---

(240) السيرة الحلبية ج 2 / 711. (1) من حديث تجده في باب غزوة الحديبية من الجزء الثالث من الصحيح (منه قدس). (2) يا سبحان الله يقول الله تعالى: (انا فتحنا لك فتحا مبينا) إلى آخر السورة، ويتلوها رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه عن الله عزوجل، وهذا الرجل يقول: ما هذا بفتح ؟ ! فمن هو هذا الرجل يا ترى ؟ ! ليتكم تعرفونه (منه قدس).

--- [182]

مخ ۱۸۱