198

معهم على هذه الحال، يقابل اساءتهم باللقيا عليهم، والاحسان إليهم ؟ عملا بقوله تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، وما يلقاها الا ذو حظ عظيم) (237). كان النبي صلى الله عليه وآله يومئذ قادرا على دخول مكة وزيارة البيت عنوة، بدليل قوله تعالى في هذه الواقعة: (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الادبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا) (238) وقوله فيها أيضا عز من قائل (وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد ما أظفركم عليهم) (239). وكان المشركون على يقين من ظفره عليهم لو قاتلهم صلى الله عليه وآله وقد علموا باصرار أصحابه عليه في القتال، وأنه أبى عليهم ذلك كل الاباء، ايثارا للسلم وحسن عواقبه، وحقنا للدماء، واحتراما للحرم، واحتياطا على حرماته، وأدركت قريش اشفاقه عليها، ورعايته لحقوقها الرحيمة منه، وانه لذلك " قبل المهادنة على ما فيها من الشروط القاسية " لم تأخذه الانفة من صدهم اياه عن المسجد الحرام، وارجاعه - على حافزته بأصحابه رغما لكثير منهم - إلى المدينة. وهذا ما كان في نظر قريش كفارة له عما كان في بدر وأحد والاحزاب، إذ تجلى يومئذ لهم - بكفه عن قتالهم - انه غير مسؤول عن شئ من ذلك، وانما المسؤول عن تلك الدماء المسفوكة انما هم مشائخ قريش كأبي سفيان وأبي جهل وأضرابهما الذين غزوه - وهو في مهجره الذي فر منه إليه - فاضطروه إلى دفع عدوانهم عنه وعن أصحابه، ولو كفوا عنه وعن الذين آووه ونصروه

---

(237) سورة فصلت: 34 و35. (238) سورة الفتح: 22. (239) سورة الفتح: 24.

--- [181]

مخ ۱۸۰