مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
أيصلح تمشي في الدما فتياتكم ... صبيحة زفت في النساء إلى البعل
فإن أنتم لاتغضبوا بعد هذه ... فكونوا نساء لا تفروا من الكحل
ودونكم طيب العروس؛فإنما ... خلقتم لأثواب العروس وللغسل
فقبحا و شيكأ للذى ليس دافعا ... ويختال يمشي بيننا مشية الفحل
فلو أننا كنا الرجال وكنتم ... نساء لكنا لا نقر على الذل
فموتوا كرامأ، واصبروا لعدوكم ... بحرب تلظى في القرام من الجزل
ولاتجزعوا للحرب يا قوم، إنما ... تقوم بأقوام كرام على رجل
فيهلك فيها كل نكس مواكل ... ويسلم فيها ذو النجابة والفضل
وفي ذلك يقول أخوها:
جاءت تمشى طسم في خميس ... كالريح في هشهشة اليبيس
يا طسم مالقيت من جديس ... حقا لك الويل فهيسي هيسي
التفكر في الانتقام
قال: فلما سمعت جديس بذلك وغيره من قولها اجتمعت غضبا لذلك، فقال لهم الأسود بن غفار - وكان فيهم سيدا مطاعا - يا جديس، أطيعوني فيما امركم به، وأدعوكم إليه، ففي ذلك عز الدهر، وذهااب الذل، قالوا: وما ذلك؛ قال: قد علمتم أن هؤلاء - يعني طسما - ليسو بأعز منكم، ولكن ملك صاحبهم عليكم وعليهم وهو الذي يذعننا إليه بالطاعة، ولولا ذلك ما كان له علينا من فضل، ولو امتنعنا منه لكان لنا النصف، فقالوا: قد قبلنا قولك، ولكن القوم أقراننا، وأكثر عمدا وعددا منا، فنخاف إن ظفروا بنا أن لا يقيلونا، فقال: والله يا جديس لتطيعنني فيما آمركم به وأدعوكم إليه أو لأتكئن على سيفي فأقتل به نفسي، قالوا: فإنا نطيعك فيما قد عزمت عليه، قال: إني صانع لعملوق وقومه من طسا طعاما وداعيهم إليه، فإذا جاءوا إليه متفضلين في الحلل والنعال نهضنا إليهم بأسيافنا، فانفردت أنا بالملك، وانفرد كل رجل منكم برجل منهم، قالوا له: فافعل ما بدا لك، واجتمع رأيهم عليه، فقالت عفيرة لأخيها الأسود: لا تفعل هذا؛ فإن الغدر فيه ذلة وعار، ولكن كابدوا القوم في ديارهم تظفروا أو تموتوا كراما، قال: لا، ولكن نمكر بهم، فيكون ذلك أمكن لنا من نواصيهم، وأبلغ في الانتقام منهم، فقالت عفيرة في ذلك أسعارا قد ذكرناها فيما سلف من كتبنا.
ثم إن الأسود صنع طعاما كثيرا، وأمر قومه فاخترطوا سيوفهم ودفنوها في الرمل حيث أعدوا الطعام، ثم قال لهم: إذا أتاكم القوم يرفلون في حليهم فخذوا أسيافكم ثم شدوا عليهم قبل أن يأخذوا مجالسهم وابدوا بالرؤساء؛ فإنكم إذا قتلتموهم لم تبالوا بالسفلة، ولم تكن بعد ذلك منهم حال تكرهونها، قالوا: نفعل ما قلت.
ثم دعا الأسود بعملوق الطسمى ومن معه من رؤساء طسم باليمامة فأسرعوا إجابة دعوة الأسود، فلما توافوا إلى المدعاة وثبت جديس، فاستثإروا سيوفهم من الرمل، وشدوا على عملوق وأصحابه فقتلوهم حتى أفنوهم عن اخرهم، ومضوا إلى ديارهم فانتهبوها، وقال الأسود بن غفار في ذلك أشعارا يرثي بها طسما، ويذكر بغيها وفعل عملوق بأخته، يطول بذكرها الكتاب، وقد تقدمت فيما سلف من كتبنا.
رباح الطسمي يستنجد حمير على جديس
مخ ۲۲۴