مروج الذهب او معدن جواهر
مروج الذهب ومعادن الجوهر
فنزل هؤلاء أكناف الحرم والتهائم، ومنهم من سار إلى بلاد مصر والمغرب، وقيل: إن هؤلاء بعض ذراعنة مصر، وقد ذكرنا قول من الحق العماليق وغيرهم ممن ذكرنا بعيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، وزعم أنهم من ولد العيص على حسب ما ذكرنا فيما تقدم. وقد كانت للعماليق ملوك كثيرة سلفت في مواضع من الأرض بالشام وغيره، وقد أتينا على أخبارهم وذكر ممالكهم وحروبهم في كتابنا أخبار الزمان، وقد ذكرنا فيما سلف من هذا الكتاب قصة يوشع بن نون مع ملك العماليق ببلاد أيلة، وهو السميدع بن هوبر، وقد كان من بقي من العماليق انضافوا إلى ملوك الروم؛ فملكتهم الروم على مشارق الشام والغرب والجزيرة من ثغور الشام فيما بينهم وبين فارس.
أذينة بن السميدع العملاقي
فممن ملك الروم من العماليق: أذينة بن السميدع، الذي ذكره الأعشى في قوله:
أزال أذينة عن ملكه ... وأخرج عن ملكه ذا يزن
وقد كان ملك بعد العماليق حسان بن أذينة بن طرب بن حساز ويقال: هوالذي يعرف ب أمه زباء.
ثم ملك عمروبن طرب، ويقال: هوالذي كان يعرف ب أمه زباء، وقد كان بينه وبين جذيمة الأبرش الأزدي أبي مالك حروب كثيرة، فقتله جذيمة على ما ذكرنا، وما كان من قتل الزباء لجذيمة وقول الشاعر:
كأن عمرو بن زباا لم يعش ملكا ... ولم يكن حوله الرايات تختفق
لاءم جذيمة من ضرساء مشعلة ... فيها خراشف بالنيران ترتشق
مسير طسم إلى البحرين
ثم سارطسم بن لاوذ بن أرم بن سام بن نوح بعد عملاق بن لاوذ بولده،ومن تبعه وهويقول:
إني أنا طسم وجدي سام ... سام بن نوح وهو الإمام
لما رأيت الأخ والأعلاما ... قلت لنفسي: االحقي السواما
أخاك عملاقا وذا الإقدام ... يافث لا كان وليي حام
فنزل هؤلاء البحرين.
وقد كان جميع من ذكرنا بدوا، وانتشروا في الأرض، على حسب ما ذكرنا من مساكنهم، وكثرت جديس، فملكت عليهاالأسود بن غفار، وكثرت طسم، فملكت عليها عملوق بن جديس، وقد ذكرعبيد بن شرية الجرهمي حين وفد على معاوية وأخبره أن طسم بن لاوذ بن أرم بن سام بن نوح، وجديس بن عابر بن سام بن نوح، هم العرب العاربة، وقد كان منزلمهم جميعأ باليمامة، واسمها إذ ذاك جؤ.
عملوق الظالم ملك طسم
وكان لطسم ملك يقال له عملوق، وكان ظلوما غشوما، لاينهاه شيء عن هواه، مع إصراره وإقد أمه على جديس، وتعديه عليهم، وقهره إياهم، فلبثوا في ذلك دهرا، وهم أهل مظالم، قد غمطوا النعمة وانتهكوا الحرمة، وبلادهم أفضل البلاد، وأكثرها خيرا، فيها صنوف الشجر والأعناب، وهي حدائق ملتفة، وقصور مصطفة، فلم يزل على ذلك حتى أتته امرأة من جديس، يقال لها هزيلة بنت مازن، وزوج لها فارقها، يقال له ماشق، فأراد قبض ولده منها، فأبت عليه، فارتفعا إلى إلى ملك عملوق ليحكم بينهما، فقالت المرأة: أيها الملك، هذا الذي حملته تسعا، ووضعته دفعا، وأرضعته شفعا، ولم أنل منه نفعا، حتى إذا تمت أوصاله، واستوفت خصاله، أراد أن يأخذه قسرا، ويسلبنيه قهرا ويتركني منه صفرا، قال زوجها: قد أخذت المهر كاملا، ولم أنل منه نائلا، إلا ولدا خاملا، فافعل ما كنت فاعلا. فأمر الملك أن يؤخذ الولد منهما ويجعل في غلمانه، فقالت هزيلة في ذلك:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا ... فأبرم حكما في هزيلة ظالما
لعمري لقد حكمت لا متورعا ... ولافهما عند الحكومة عالما
ندمت فلم أقدرعلى متزحزح ... وأصبح زوجي حائر الرأي نادما
فبلغ الملك قول هزيلة، فغضب، وأمر أن لا تتزوج امرأة،جديس فتزف إلى زوجها حتى تحمل إليه، فيفترعها قبل زوجها، فلقوآ من ذلك ذلا طويلا، ولم تزل تلك حالتهم حتى تزوجت عفيرة، وقيل الشموس، بنت غفار الجديسي أخت الأسود بن غفار، فلما كانت لي هديها إلى زوجها انطلق بها إلى عملوق الملك ليطأها على عادته، ومعها القينات يغنينه ويقلنا فيغنائهن:
إبدي بعملوق وقومي فاركبي ... وبادري الصبح بأمر معجب
فما لبكر بعدكم من مذهب
فلما دخلت عفيرة على عملوق افترعها وخلى سبيلها، فخرجت عفيرة على قومها في عمادها شاقة جيبها عن قبلها ودبرها، وهي تقول:
لا أحد أفل منها جديس ... أهكذا يفعل بالعروس؟
وقالت أيضا تحرض قومها جديس على طسم، وأبت أن تمضي إلى زوجها من كلمة: أيصلح ما يؤتى إلى فتياتكم ... وأنتم رجال فيكم عدد الرمل
مخ ۲۲۳