206

مروج الذهب او معدن جواهر

مروج الذهب ومعادن الجوهر

قال: وهرب رجل من طسم، وكان أسمه رباح بن مرة الطسمي، فأتى إلى حسان بن تبع الحميري ملك اليمن يومئذ فاستغاث به، وقد كان عمد إلى جريمة نخل رطبة فجعل عليهاطينا رطبا، وحملها معه وأخرج معه كلبة، فلما ورد على حسان كسر يد كلبته، ونزع الطين عن الجريدة فخرجت خضراء ودخل إلى حسان واستعاذ به، وأخبره بالذي صنعت جديس بقومه، فقال له الملك: لله أبوك، فمن أين مبداك؟ قال: جئتك، أبيت اللعن من أرض قريبة وقوم انتهك منهم ما لم ينتهك من أحد، أنا رباح بن مرة الطسمي، دعتنا جديس إلى مدعاة لهم فأجبناهم متفضلين في الحلل وقد أعدوا لنا السلاح عند جفانهم، فما ذقنا الطعام حتى صرنا حطاما، بلا طلب دم ولا ترة سلفت، فدونك - أبيت اللعن! - قومأ قطعوا أرحامنا - وسفكوا دماءنا، قال الملك حسان: أمعك خرجت هذه الجريدة وهذه الكلبة؟ قال: نعم، فقال الملك: إن كنت صادقا لقد خرجت من أرض قريبة، ووعدده بالنصرة، ثم نادى في حمير بالمسير، وأعلمهم بما فعل بطسم، قالوا: من فعل هذا أبيت اللعن؟ قال: عبيدهم، قالوا: ما لنا في هذا من أرب، هم إخواننا فلا نعين بعضنا على بعض، وهم عبيدك أيها الملك فدعهم، فقال حسان: ما هذا بحسن، أرأيتم لوكان هذا فيكم كان حسنا لملككم أن يهدر دماءكم؛ وما علينا في الحكم إلا أننا ننصف بعضنا من بعض.

زرقاء اليمامة

فقام فرسانهم فقالوا: أبيت اللعن الأمر أمرك، فمرنا بما أحببت، فأمرهم بالمسير، فساروا وسار بهم رباح بن مرة حتى إذا صاروا من اليمامة على ثلاث قال رباح بن مرة للملك حسان: أبيت اللعن إن لي أختا متزوجة في جديس ليس في الأرض أبصر منها، إنها تبصر الراكب على مسيرة ثلاث ليال، وأنا أخاف أن تنذر القوم بك، فتأمر كل واحد من أصحابك أن يقتلع شجرة من الأرض فيجعلها أم أمه ثم يسير، فأمرهم حسان بذلك، ففعلوا ثم ساروا، وكان اسم أخت رباح يمامة بنت مرة فأشرفت من منظرها فقالت: يا جديس، لقد سارت أليكم الشجر، قالوا لها: وما ذاك؟ قالت: أرى أشجارا تسير ووراءها شيء، وإني لأرى رجلا من وراء شجرة ينهش كتفا أو يخصف نعلا، فكذبوها، وكان ذلك كما ذكرت فغفلوا عن أخذ أهبة الحرب، ففي ذلك تقول اليمامة لجديس تحفذهم:

إني أرى شجرا من خلفها بشر ... فكيف تجتمع الأشجار و البشر؟

ثوروا بأجمعكم في وجه أولهم ... فإن ذلك منكم فاعلموا ظفر

وأقبل الملك حسان بحمير، حتى إذا كان من جؤ على مسيرة ليلة عبأ جيشه ثم صبحها فاستباح أهلها من جديس قتلا، فأفناهم وسبى نساءهم وصبيانهم، وهرب الأسود بن غفار ملكها حتى نزل بدار طيىء فأجاروه من الملك وغيره، - من غير أن يعرفوه؛فيذكرأن نسله اليوم في طيىء مذكور.

فلما فرغ حسان من جديس دعا باليمامة بنت مرة، وكانت امرأة زرقاء، فأمر فنزعت عيناها فإذا في داخلها عروق سود، فسألها عن ذلك، فقالت: حجر أسود يقال له الإثمد كنت أكتحل به فنشب إلى بصري وكانت هي أول من أكتحل به، فاتخذوه بعد ذلك كحلا، وأمر املك باليمامة، فصلبت على باب جو، وقال سموا جوا باليمامة؛فسميت بها إلى اليوم.

مسير وبار بن أميم

مخ ۲۲۵