بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أهل الحمد، ومستوجب الثناء والمجد، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطاهرين، وسلم تسليما إلى يوم الدين.
باب ذكر جوامع أغراض هذا الكتاب
أما بعد، فإنا صنفنا كتابنا في أخبار الزمان، وقذمنا القول فيه في هيئة الأرض، ومدنها، وعجائبها، وبحارها، وأغوارها، وجبالها، وأنهارها، وبد ائع معادنها، وأصناف مناهلها، وأخبار غياضها، وجزائر البحار، والبحيرات الصغار، وأخبار الأبنية المعظمة، والمساكن المشرفة، وذكر شأن المبدأ، وأصل النسل، وتباين الأوطان، وما كان نهرا فصار بحرا، وما كان بحرا فصار برا، وما كان برا فصار بحرا، على مرور الأيام، ومرور الدهور، وعلة ذلك، وسببه الفلكي والطبيعي، وانقسام الأقاليم بخواص الكواكب، ومعاطف الأوتاد، ومقادير النواحي والافاق، وتباين الناس في التاريخ القديم، واختلافهم في بدئه وأوليته، من الهند.
وأصناف الملحدين، وما ورد في ذلك عن الشرعيين، وما نطقت به الكتب وورد على الديانيين. ثم أتبعنا ذلك بأخبار الملوك الغابرة، والأمم الداثرة، والقرون الخالية، والظوائف البائحة على مر سيرهم، في تغير أوقاتهم وتضيف أعصارهم، من الملوك والفراعنة العادية والأكاسرة واليونانية، وما ظهر من حكمهم ومقائل فلاسفتهم وأخبار ملوكهم، وأخبار العناصر، إلى ما في تضاعيف ذلك من أخبار الأنبياء والرسل والأتقياء، إلى أن أفضى الله بكرامته وشرف برسالته محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم، فذكرنا مولده، ومنشأه، وبعثه، وهجرته، ومغازيه، وسراياه، إلى أوان وفاته، واتصال الخلافة، واتساق المملكة بزمن زمن، ومقاتل من ظهر من الطالبيين، إلى الوقت الذي شرعنا فيه في تصنيف كتابنا هذا من خلافة المتقي لله أمير المؤمنين، وهي سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
للمؤلف كتابان اختصرهما في هذا الكتاب
ثم أتبعناه بكتابنا الأوسط في الأخبار على التاريخ وما اندرج في السنين الماضية، من لدن البدء إلى الوقت الذي عنده انتهى كتابنا الأعظم وما تلاه من الكتاب الأوسط. ورأينا إيجاز ما بسطناه واختصار ما وسطناه، في كتاب لطيف نودعه لمع ما في ذينك الكتابين مما ضمناهما، وغير ذلك من أنواع العلوم، وأخبار الأمم الماضية، والأعصار الخالية، مما لم يتقدم ذكره فيهما.
على أنا نعتنر من تقصير إن كان، ونتنصل من إغفال إن عرض لم! قد شاب خواطرنا، وغمر قلوبنا، من تقاذف الأسفار، وقطع القفار، تارة على متن البحر، وتارة على ظهر البر، مستعملين بدائع الأمم بالمشاهدة، عارفين خواص الأقاليم بالمعاينة، كقطعنا بلاد السند والزنج والصنف والصين والزابج، وتقحمنا الشرق والغرب، فتارة بأقصى خراسان، وتارة بوسائط إرمينية وأذربيجان والران والبيلقان، وطورا بالعراق، وطورا بالشام؟ فسيري في الآفاق، سرى الشمس في الإشراق؟ كما قال بعضهم:
تيمم أقطار البلادة فتارةلدى شرقها الأقصى وطورا إلى الغرب
سرى الشمس، لا ينفك تقذفه النوى ... إلى افق ناء يقصر بالركب
مخ ۱
قال المصنف: ثم مفاوضتنا أصناف الملوك على تغاير أخلاقهم وتباين هممهم، وتباعد ديارهم، وأخذنا بمسلك مسلك من مواقفهم، على أن العلم قد بادت آثاره، وطمس مناره، وكثر فيه العناء، وقل الفهماء ة فلا تعاين إلا مموها جاهلا، ومتعاطيا ناقصا، قد قنع بالظنون، وعمي عن اليقين، لم نر الاشتغال بهذا الضرب من العلوم والتفرغ لهذا الفن من الآداب، حتى صنفنا كتبنا من ضروب المقالات، وأنواع الديانات، ككتاب الإبانة عن أصول الديانة وكتاب المقالات في أصول الديانات وكتاب سر الحياة وكتاب نظم الأدلة، في أصول الملة وما اشتمل عليه من أصول الفتوى وقوانين الأحكام: كتيقن القياس، والاجتهاد في الأحكام، وقع الرأي والاستحسان، ومعرفة الناسخ من المنسوخ، وكيفية الإجماع و ماهيته، ومعرفة الخاص والعام، والأوامر والنوا هي، والحظر والإباحة، وما أتت به الأخبار من الاستفاضة والآحاد، وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وما ألحق بذلك من أصول الفتوى، ومناظرة أنباء الخصوم فيما نازعونا فيه، موافقتهم في شيء منه، وكتاب الاستبصار في الإمامة ووصف قاويل الناس في ذلك من أصحاب النص والاختيار، وحجاج كل فريق منهم، وكتاب الصفوة في الإمامة وما احتواه ذلك، مع سائر نتبنا في ضروب علم الظواهر والبواطن والجلي والخفي والدائر الوافر، وإيقاظنا على ما يرتقبه المرتقبون، ويتوقعه المحدثون، وما ذكروه من نور يلمع في الأرض وينبسط في الجدب والخصب، وما في عقب الملاحم الكائنة، الظاهر أنباؤها المتجلي أوائلها، إلى سائر كتبنا في السياسة، كالسياسة المدنية وأجزاء المدينة، ومثلها الطبيعية، انقسام أجزاء الملة، والإبانة عن المواد، وكيفية تركيب العوالم، الأجسام السماوية، وما هو محسوس وغير محسوس، من الكثيف اللطيف، وما قال أهل النحلة في ذلك.
الباعث له على التأليف
مخ ۲
وكان ما دعاني إلى تأليف كتابي هذا في التاريخ، وأخبار العالم، ما مضى في أكناف الزمان من أخبار الأنبياء والملوك وسيرها والأمم مساكنها محبة احتذاء الشاكلة التي قصدها العلماء، وقفاها الحكماء، أن يبقى للعالم ذكرا محمودا، وعلما منظوما عتيدا؛ فإنا وجدنا مصنفي كتب في ذلك مجيدا ومقصرا، ومسهبا ومختصرا ووجدنا الأخبار زائدة مع زيادة الأيام، حادثة مع حدوث الأزمان، وربما غاب البارع منها على فطن الذكي، ولكل واحد قسط يخصه بمقدار عنايته، ولكل إقليم عجائب يقتصر على علمها أهله، وليس من لزم جهة وطنه وقنع بما نمي إليه من الأخبار عن إقليمه كمن قسم عمره على قطع الأقطار، ووزع أيامه بين تقاذف الأسفار، واستخراج كل دقيق من معدنه، وإثارة كل نفيس من مكمنه. وقد ألف الناس كتبا في التاريخ والأخبار ممن شلف وخلف، فأصاب البعض وأخطأ البعض، وكل قد اجتهد بغاية إمكانه، وأظهر مكنون جوهر فطنته: كوهب بن منبه، وأبي مخنف لوط بن يحمى العامري، ومحمد بن إسحاق، والواقدي، وابن الكلبي، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وأبي العباس الهمداني، والهيثم بن عدي الطائي، والشرقي بن القطامي، وحماد الراوية، والأصمعي، وسهل بن هارون، وعبد الله بن المقفع، واليزيدي، ومحمد بن عبد الله العتبي، والأموي، وأبي زيد سعيد بن أوس الأنصاري، والنضر بن شميل، وعبد الله بن عائشة، وأبي عبيد القاسم بن مسلأم، وعلي بن محمد المدائني، ودماذ بن رفيع بن سلمة، ومحمد بن سلام الجمحي، وأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وأبي زيد عمر بن شبة النميري، والزرقيئ الأنصاري، وأبي السائب المخزومي، وعلي بن محمد بن سليمان النوفلي، والزبير بن بكار، الإنجيلي، والرياشي، وابن عابد، وعمارة بن وسيمة المصري، وأبي حسان الزيادي، ومحمد بن موسى الخوارزمي، وأبي جعفر محمد بن أبي لسري، ومحمد بن الهيثم بن شبابة الخراساني صاحب كتاب الدولة، إسحاق بن إبراهيم الموصلي صاحب كتاب الأغاني وغيره من الكتب، والخليل بن الهيثم الهرتمي صاحب كتاب الحيل والمكايد في الحروب غيره، ومحمد بن يزيد المبرد الأزدي، ومحمد بن سليمان المنقري الجوهري، ومحمد، بن زكريا الغلابي المصري المصنف للكتاب المترجم كتاب الأجواد وغيره، وابن أبي الدنيا مؤدب المكتفي بالله، وأحمد بن محمد الخزاعي المعروف بالخاقاني الأنطاكي، وعبد الله بن محمد بن حفوظ البلوي الأنصاري صاحب أبي يزيد عمارة بن زيد المديني، أحمد بن محمد بن خالد البرقي الكاتب صاحب التبيان، وأحمد بن أبي طاهر صأحب الكتاب المعروف بأخبار بغداد وغيره، وابن الوشاء، علي بن مجاهد صاحب الكتاب المعروف بأخبار الأمويين وغيره، ومحمد بن صالح بن النطاح صاحب كتاب الدولة العباسية وغيره، ويوسف بن إبراهيم صاحب أخبار إبراهيم بن المهدي وغيرها، ومحمد بن الحارث الثعلبي صاحب الكتاب المعروف بأخلاق الملوك المؤلف للفتح بن خاقان وغيره، وأبي سعيد السكري صاحب كتاب أبيات العرب، وعبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة؛ فإنه كان إماما في التأليف متبرعا في ملاحة التصنيف، أتبعه من يعتمد، وأخذ منه، ووطىء على عقبه، وقفا أثره، وإذا أردت أن تعلم صحة ذلك فانظر إلى كتابه الكبير في التاريخ فإنه اجمع هذه الكتب جدا، وأبرعها نظما، وأكثرها علما، وأحوى لأخبار الأمم وملوكهم وسيرها من الأعاجم وغيرها، ومن كتبه النفيسة كتابه في المسالك والممالك وغير ذلك مما إذا طلبته وجدته، وإذا تفقدته حمدته، وكتاب التاريخ من المولد إلى الوفاة، ومن كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الخلفاء والملوك إلى خلافة المعتضد بالله، وما كان من الأجداث والكوائن في أيامهم وأخبارهم، تأليف محمد بن علي الحسيني العلوي الدينوري، وكتاب التاريخ لأحمد بن يحمى البلاذري، وكتابه أيضا في البلدان وفتوحها صلحا وعنوة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وما فتح في أيامه وعلى يد الخلفاء بعده، وما كان من الأخبار في ذلك، ووصف البلدان في الشرق والغرب والشمال والجنوب ، ولا نعلم في فتوح البلدان أحسن منه، وكتاب داود بن الجراح في التاريخ الجامع لكثير من أخبار الفرس وغيرها من الأمم، وهو جد الوزير علي بن عيسى بن داود بن الجراح، وكتاب التاريخ الجامع لفنون من الأخبار والكوائن في الأعصار قبل الإسلام وبعده، تأليف أبي عبد الله محمد بن الحسين ابن سوار المعروف بابن أخت عيسى بن المنجم على ما أنبأت به التوراة وغير ذلك من أخبار الأنبياء والملوك وكتاب التاريخ، وأخبار الأمويين ومناقبهم، وذكر فضائلهم، وما أتوا به عن غيرهم، وما أحدثوه من السير في أيامهم، تأليف أبي عبد الرحمن خالد بن هشام الأموي، وكتاب القاضي أبي بشر الدولابي في التاريخ، والكتاب الشريف تأليف أبي بكر محمد بن خلف بن وكيع القاضي في التاريخ وغيره من الأخبار، وكتاب السير والأخبار لمحمد بن خالد الهاشمي، وكتاب التاريخ والسير " لأبي إسحاق بن سليمان الهاشمي، وكتاب سير الخلفاء لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي صاحب كتاب المنصوري في الطب وغيره، فأما عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري فممن كثرت كتبه واتسع تصنيفه، ككتابه المترجم بكتاب المعارف وغيره من مصنفاته.د بن زكريا الرازي صاحب كتاب المنصوري في الطب وغيره، فأما عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري فممن كثرت كتبه واتسع تصنيفه، ككتابه المترجم بكتاب المعارف وغيره من مصنفاته.
ثناؤه على ابن جرير الطبري
وأما تاريخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري الزاهي على المؤلفات، والزائد على الكتب المصنفات، فقد جمع أنواع الأخبار، وحوى فنون الآثار، واشتمل على صنوف العلم، وهو كتاب تكثر فائدته، وتنفع عائدته، وكيف لا يكون كذلك.! ومؤلفه فقيه عصره، وناسك دهره، إليه انتهت علوم فقهاء الأمصار، وحملة السنن والآثار، وكذلك تاريخ أبي عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة الواسطي النحوي الملقب بنفطويه فمحشؤ من ملاحة كتب الخاصة، مملوء من فوائد السادة، وكان، أحسن أهل عصره تأليفا، وأملحهم تصنيفا، وكذلك سلك محمد بن يحمى الصولي في كتابه المترجم بكتاب الأوراق في أخبار الخلفاء من بني العباس وبني أمية، وشعرائهم، ووزرائهم، فإنه ذكر غرائب لم تقع لغيره، وأشياء تفرد بها لأنه شاهدها بنفسه، وكان محظوظا من العلم، ممحودا من المعرفة مرزوقا من التصنيف وحسن التأليف، وكذلك كتاب الوزراء وأخبارهم لأبي الحسن علي بن الحسن المعروف بابن الماشطة، فإنه بلغ في تصنيفه إلى آخر أيام الراضى بالله.
ثناؤه على قدامة بن جعفر
وكذلك أبو الفرج قدأمة بن جعفر الكاتب؛ فإنه كان حسن التأليف، بارع التصنيف، موجزا للألفاظ، مقربا للمعاني، وإذا أردت علم ذلك فانظر في كتابه في الأخبار المعروف بكتاب زهر الربيع، وأشرف على كتابه المترجم بكتاب الخراج؛ فإنك تشاهد بهما حقيقة ما قد ذكرنا، وصدق ما وصفنا، وما صنفه أبو القاسم جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي الفقيه في كتابه في الأخبار الذي يعارض فيه كتاب الروضة للمبرد ولقبه بالباهر، وكتاب إبراهيم بن ماهويه الفارسي الذي عارض فيه المبرد في كتابه الملقب بالكامل، وكتاب إبراهيم بن موسى الواسطي الكاتب في أخبار الوزراء الذي عارض فيه كتاب محمد بن داود بن الجراح في الوزراء، وكتاب علي بن الفتح الكاتب المعروف بالمطوق في أخبار عدة من وزراء المقتدر بالله، وكتاب زهرة العيون وجلاء القلوب تأليف المصري، وكتاب التاريخ تأليف عبد الرحمن بن عبد الرازق المعروف بالجوزجاني السعدي، وكتاب التاريخ وأخبار الموصل تأليف أبي ذكره الموصلي، وكتاب التاريخ تأليف أحمد بن يعقوب المصري في أخبار العباسيين وغيرهم، وكتاب التاريخ في أخبار الخلفاء من بني العباس وغيرهم لعبد الله بن الحسين بن سعد الكاتب، وكتاب محمد بن مزيد بن أبي الأزهر في التاريخ وغيره، وكتابه المترجم بكتاب الهرج والأحداث.
نقد المؤلف لثابت بن قرة
مخ ۴
ورأيت سنان بن ثابت بن قرة الحراني حين انتحل ما ليس من صناعته، واستنهج ما ليس من طريقته قد ألف كتابا جعله رسالة إلى بعض إخوانه من الكتاب، واستفتحه بجوامع من الكلام في أخلاق النفس وأقسامها من الناطقة والغضبية والشهوانية، وذكر لمعا من السياسات المدنية مما ذكره أفلاطون في كتابه في السياسة المدنية، وهو عشر مقالات، ولمعا مما يجب على الملوك والوزراء، ثم خرج إلى أخبار يزعم أنها صحت عنده ولم يشاهدها، ووصل ذلك بأخبار المعتضد بالله، وذكر صحبته إياه، وأيامه السالفة معه ثم ترقى إلى خليفة خليفة في التصنيف، مضادة لرسم الإخبار والتواريخ وخروجا عن جملة أهل التأليف، وهو وإن أحسن فيه، ولم يخرجه عن معانيه، فإنما عيبه أنه خرج عن مركز صناعته، وتكلف ما ليس من مهنته، ولو أقبل على علمه الذي انفرد به من علم إقليدس والمقطعات والمجسطى والمحورات، ولو استفتح آراء سقراط وأفلاطون وأرسطاطاليس، فأخبر عن الأشياء الفلكية، والآثار العلوية، والمزاجات الطبيعية، والنسب والتأليفات، والنتائج والمقدمات، والصنائع المركبات، ومعرفة الطبيعيات: من الإلهيات، والجواهر والهيآت، ومقادير الأشكال، وغير ذلك من أنواع الفلسفة لكان قد سلم مما تكلفه، وأتى بما هو أليق بصنعته، ولكن العارف بقدره معوز، والعالم بمواضع الخلة مفقود، وقد قال عبد الله بن المقفع: من وضع كتابا فقد استهدف، فإن أجاد فقد استشرف، وإن أساء فقد استقذف .قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعوعي: ولم نذكر من كتب التواريخ والأخبار والسير والآثار إلا ما اشتهر مصنفوها، وعرف مؤلفوها ولم نتعرض لذكر كتب تواريخ أصحاب الأحاديث في معرفة أسماء الرجال وأعصارهم وطبقاتهم ؛ إذ كان ذلك كله أكثر من أن نأتي على ذكره في هذا الكتاب، إذ كنا قد أتينا على جميع تسمية أهل الأعصار من حمله الآثار، ونقلة السير والأخبار، وطبقات أهل العلم من عصر الصحابة، ثم من تلاهم من التابعين، وأهل كل عصر على اختلاف أنواعهم، وتنازعهم في آرائهم: من فقهاء الأمصار وغيرهم من أهل الآراء والنحل والمذاهب والجدل، إلى سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، في كتابنا المترجم بكتاب أخبار الزمان، وفي الكتاب الأوسط.
المؤلف يذكر أنه أودع كتابه أجزل الفوائد
وقد وسمت كتابي هذا بكتاب مروج الذهب، ومعادن الجوهر؟ لنفاسة ما حواه، وعظم خطر ما استولى عليه: من طوالع بوارع ما تضمنته كتبنا السالفة في معناه، وغرر مؤلفاتنا في مغزاه، وجعلته تحفة للأشراف من الملوك وأهل الدرايات لما قد ضمنته من جمل ما تدعو الحاجة إليه، وتنازع النفوس إلى علمه من دراية ما سلف وغبر في الزمان، وجعلته منبها على أغراض ما سلف من كتبنا، ومشتملا على جوامع يحسن بالأديب العاقل معرفتها، ولا يعذر في التغافل عنها، ولم نترك نوعا من العلوم، ولا فنا من الأخبار، ولا طريقة من الآثار، إلا أوردناه في هذا الكتاب مفصلا، أو ذكرناه مجملا، أو أشرنا إليه بضرب من الإشارات، أو لوحنا إليه بفحوى من العبارات.
المؤلف ينهي عن التصرف في الكتاب ويخوف من ذلك
فمن حرف شيئا من معناه، أو أزال ركنا من مبناه، أو طمس واضحة من معالمه، أو لبس شاهدة من تراجمه، أو غيره، أو بدله، أو بشأنه، أو اختصره، أو نسبه إلى غيرنا، أو أضافه إلى سوانا، فوافاه من غضب الله وسرعة نقمه وفوادح بلاياه ما يعجز عنه صبره، ويحار له فكره، وجعله الله مثلة للعالمين، وعبرة للمعتبرين، واية للمتوسمين، وسلبه الله ما أعطاه، وحال بينه وبين ما أنعم به عليه: من قوة ونعمة مبدع السماوات والأرض، من أي الملك كان والآراء، إنه على كل شيء قدير. وقد جعلت هذا التخويف في أول كتابي هذا وآخره، ليكون رادع المن ميله هوى، أو غلبه شقاء، فليراقب الله ربه، وليحافر منقلبه، فالمدة يسيرة، والمسافة قصيرة، وإلى الله المصير. وهذا حين نبدأ بجمل ما استودعناه هذا الكتاب من الأبواب، وماحوى كل باب منها من أنواع الأخبار، وبالله التوفيق.
الباب الثاني ذكر ما اشتمل عليه الكتاب من الأبواب
مباحث الكتاب
مخ ۵
قد قدمنا فيما سلف من هذا الكتاب ذكرنا لأغراضه، فلنذكر الآن جملا من كمية أبوابه على حسب مراتبها فيه، واستحقاقها منه، لكي يقرب تناولها على مريدها.
فأول ذلك ذكر المبدأ، وشأن الخليقة، وذرء البرية من آدم إلى إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. ذكر قصة إبراهيم عليه السلام، ومن تلا عصره من الأنبياء والملوك من بني إسرائيل.
ذكر ملك أرخبعم بن سليمان بن داود، ومن تلا عصره من ملوك بني إسرائيل، وجمل من أخبار الأنبياء والملوك من بني إسرائيل.
ذكر أهل الفترة ممن كان بين المسيح ومحمد صلى الله عليه وسلم ذكر جمل من أخبار الهند وأربابها، ومدد ممالكها، وسيرها وآرائها في عبادتها.
ذكر الأرض والبحار، ومبادئ الأنهار والجبال، والأقاليم السبعة وما والاها من الكواكب وغير ذلك.
ذكر جمل من الأخبار عن انتقال البحار، وجمل من أخبار الأنهار الكبار .ذكر الأخبار عن البحر الحبشي، وما قيل في مقداره وتشعبه وخلجانه.
ذكر تنازع الناس في المد والجزر، وجوامع ما قيل في ذلك.
ذكر البحر الرومي، ووصف ما قيل في طوله وعرضه وابتدائه وانتهائه.
ذكر بحر نيطس، وبحر مايطس، وخليج القسطنطينية.
ذكر بحر الباب والأبواب والخزر وخرجان، وجملة من الأخبار عن ترتيب جميع البحار.
ذكر ملوك الصين والترك، وتفرق ولد عامور، وأخبار الصين وملوكهم، وجوامع من سيرهم وسياساتهم وغير ذلك.
ذكر جمل من الأخبار عن البحار، وما فيها وما حولها من العجائب والأمم، ومراتب الملوك، وغير ذلك.
ذكر جبل القبج، وأخبار الأمم من اللان والسرير والخزر، وأنواع من الترك والبلغر، وأخبار الباب والأبواب، ومن حولهم من الملوك والأمم.
ذكر ملوك السريانيين.
ذكر ملوك الموصل ويينوى، وهم الصوريون.
ذكر ملوك بابل من النبط وغيرهم، وهم الكلدانيون.
ذكر ملوك الفرس الأولى وسيرها، وجوامح من أخبارها.
ذكر ملوك الطوائف الأشعانيين، وهم بين الفرس الأولى والثانية.
ذكر أنساب فارس، وما قاله الناس في ذلك.
ذكر ملوك الساسانية، وهم الفرس الثانية، وسيرهم، وجوامع من أ أخبارهم.
ذكر ملوك اليونانيين وأخبارهم، وما قال الناس في بدء أنسابهم.
ذكر جوامع من أخبار حرب الإسكندر بأرض الهند.
ذكر ملوك اليونانيين بعد الإسكندر.
ذكر الروم وما للناس في بدء أنسابهم، وأحد ملوكهم، وتاريخ سنيهم، وجوامع من سيرهم.
ذكر ملوك الروم المتنصرة، وهم ملوك القسطنطينية، ولمع مما كان في أعصارهم.
ذكر ملوك الروم بعد ظهور الإسلام، إلى أرمينوس، وهو الملك في سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة.
ذكر مصر، ونيلها، وأخبارها، وبنائها، وعجائبها، وأخبار ملوكها.
ذكر أخبار الإسكندرية، وبنائها، وملوكها وعجائبها، وما لحق بهذا الباب.
ذكر السودان، وأنسابهم واختلاف أجناسهم وأنواعهم، وتباينهم في ديارهم، وأخبار ملوكهم.
ذكر الصقالبة، ومساكنهم، وأخبار ملوكهم، وتفرق أجناسهم.
ذكر الإفرنجة والجلالقة وملوكهما، وجوامع من أخبارهما وسيرهما وحروبهما مع أهل الأندلس.
ذكر النو كبرد وملوكها، والأخبار عن مساكنها ذكر عاد وملوكها، ولمع من أخبارها، وما قيل في طول أ عما رهم.
ذكر ثمود وملوكها، وصالح نبيها عليه السلام، ولمع من أخبارها.
ذكر مكة وأخبارها، وبناء البيت، ومن تداوله من جرهم وغيرهم، وما لحق بهذا الباب.
ذكر جوامع من الأخبار في وصف الأرض والبلدان، وحنين النفوس إلى الأوطان.
ذكر تنازع الناس في المعنى الذي من أجله سمي اليمن يمنا، والشام شاما، العراق، والحجاز.
ذكر اليمن وأنسابها، وما قاله الناس في ذلك.
ذكر اليمن وملوكها من التبابعة وغيرها، وسيرها، ومقادير سنيها.
ذكر ملوك الحيرة من اليمن وغيرهم، وأخبارهم.
ذكر ملوك الشام من اليمن من غسان وغيرهم، وما كان من أخبارهم.
ذكر البوادي من العرب، وغيرهم من الأمم، وعلة سكناها البدو، وأكراد الجبال، وأنسابهم، وجمل من أخبارهم، وغير ذلك مما اتصل بهذا الباب.
مخ ۶
ذكر ديانات العرب، وآرائها في الجاهلية، وتفرقها في البلاد، وأخبار أصحاب الذيل، وأمر الأحابيش، وغيرهم، وعبد المطلب، وغير ذلك مما يلحق بهذا الباب. ذكر ما ذهب إليه العرب في النفوس والهام والصفر، وأخبارها في ذلك.
ذكر أقاويل العرب في التغؤل والغيلان، وما قاله غيرهم من الناس في ذلك، وغير ذلك مما لحق بهذا الباب واتصل بهذه المعاني.
ذكر أقاويل الناس في الهواتف والجان، من العرب وغيرهم ممن أثبت ذلك ونفاه.
ذكر ما ذهب إليه العرب من القيافة والعيافة والزجر والسانح والبارح، وغير ذلك.
ذكر الكهانة وصفتها، وما قاله الناس في ذلك من أخبارها، وحد الناطقة وغيرها من النفوس، وما قيل فيما يراه النائم، وما اتصل بهذا الباب.
ذكر جمل من أخبار الكهان، وسيل العرم بأرض سبأ ومأرب، وتفرق الأزد في البلدان وسكناهم في البلاد.
ذكرسني العرب والعجم، وشهورها، وما اتفق منها وما اختلف.
ذكر شهور القبط والسريانيين، والخلاف في أسمائها، وجمل من التاريخ، وغير ذلك مما اتصل بهذا المعنى.
ذكر شهور السريانيين، ووصف موافقتها لشهور الروم، وعدد أيام السنة، ومعرفة الأنواء.
ذكر شهور الفرس، وما اتصل بذلك.
ذكر أيام الفرس، وما اتصل بذلك.
ذكر سني العرب وشهورها وتسمية أيامها ولياليها.
ذكر قول العرب في ليالي الشهور القمرية، وغير ذلك مما اتصل بهذا المعنى.
ذكر القول في تأثير النيرين في هذا العالم، وجمل مما قيل في ذلك مما اتصل بهذا الباب.
ذكر أرباع العالم والطبائع والأهوية، وما خص به كل جزء منه، منه الشرقي والغربي واليمني والجنوبي، وغير ذلك من سلطان الكواكب.
ذكر البيوت المعظمة، والهياكل المشرفة، وبيوت النيران والأصنام، وعبادات الهند، وذكر الكواكب، وغير ذلك من عجائب العالم.
ذكر البيوت المعظمة عند اليونانيين، ووصفها.
ذكر البيوت المعظمة عند الصقالبة، ووصفها.
ذكر البيوت المعظمة عند أوائل الروم، ووصفها.
ذكر بيوت معظمة وهياكل مشرفة للصابئة من الحرانيين، وغيرها،وما فيها من العجائب والأخبار وغيرها.
ذكر الأخبار عن بيوت النيران، وكيفية بنائها، وأخبار المجوس فيها،وما لحق ببنائها.
ذكر جامع تاريخ العالم من بدئه إلى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وما اتصل بهذا الباب من العلوم.
ذكر مولد النبي صلى الله عليه وسلم، ونسبه، وغيرذلك مما لحق بهذا الباب.
ذكر مبعثه عليه الصلاة والسلام، وما كان في ذلك إلى هجرته صلى الله عليه وسلم .
ذكر هجرته، وجوامع مما كان في أيامه إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ذكر الأخبار عن أمور وأحو ال كانت من مولده إلى حين وفاته صلى الله عليه وسلم ذكر ما بدىء به عليه الصلاة والسلام من الكلام، مما لم يحفظ قبله عن أحد من الأنام .
ذكر خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ونسبه، ولمع من أخباره وسيره.
ذكر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ونسبه، ولمع من أخباره وسيره.
ذكر خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ونسبه، ولمع من أخباره وسيره.
ذكر خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ونسبه، ولمع من أخباره وسيره. ونسب إخوته وأخواته.
ذكر الأخبار عن يوم الجمل وبدئه، وما كان فيه من الحروب، وغيرذلك.
ذكر جوامع مما كان بين أهل العراق وأهل الشام بصفين.
ذكر الحكمين، وبدء التحكيم.
ذكر حروبه رضي الله عنه مع أهل النهروان، وهم الشراة، ومالحق بهذا الباب.
ذكرمقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ذكر لمع من كلامه، وزهده، وما لحق بهذا المعنى من أخباره.
ذكرخلافة الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولمع من أخباره وسيره.
ذكر أيام معاوية بن أبي سفيان، ولمع من أخباره وسيره، ونوادر من بعض أخباره.
ذكر جمل من أخلاق معاوية وسياسته، وطرف من عيون أخباره.
ذكر الصحابة ومدحهم، وعلي بن أبي طالب والعباس رضي الله كنهم، وفضلهم.
ذكر أيام يزيد بن معاوية بن أبي سفيان.
ذكر مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، ومن قتل من أهل بيته وشيعته. ذكر أسماء ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ذكر لمع من أخبار يزيد بن معاوية وسيره، ونوادر من بعض أفعاله، وما كان منه في الحرة وغيرها.
مخ ۷
ذكر أيام معاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، والمختار بن أبي عبيد، وعبد الله بن الزبير، ولمع من أخبارهم وسيرهم، وبعض ما كان في أيامهم. ذكر أيام عبد الملك بن مروان 4 ولمع من أخباره وسيره، والحجاج بن يوسف، وأفعاله، ونوادر من أخباره.
ذكر لمع من أخبار الحجاج بن يوسف وخطبه، وما كان منه في بعض أفعاله.
ذكر أيام الوليد بن عبد الملك، ولمع من أخباره وسيره وما كان من الحجاج في أيامه.
ذكر أيام سليمان بن عبد الملك، ولمع من أخباره وسيره.
ذكر خلافة عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم رضي الله عنه.ولمع من أخباره وسيره زهد
فشسب هابيل وشب قاين ... ولم يكن بينهماتباين
وذكر أهل الكتاب أن آدم زوج أخت هابيل لقاين، وأخص قاين لهابيل، وفرق في النكاح بين البطنين، وهن! كانت سنة آدم عليه السلام احتياطا لأقصى ما يمكنه في في المحارم لموضع الاضطرار وعجز النسل عن التباين والاغتراب. وقد زعمت المجوس أن آدم لم يخالف في النكاح بين البطون ولم يتحر المخالفة، ولهم في هذا المعنى سريدعون فيه الفضل في صلاح الحال بتزويج الأخ من أخته والأم من إبنها، وقد أتينا به في الفن الرابع عشر من كتابنا الموسوم بأخبار الزمان، ومن أباده الحدثان، من الأمم الماضية، والأجيال الخالية، والمماليك الداثرة وإن هابيل وقاين قربا قربانا فتحرى هابيل أجود غنمه وأجود طعامه فقربه، وتحرى قاين شر ماله وقربه، فكان من أمرهما ما قد حكاه الله تعالى في كتابه العزيز من قتل قاين هابيل، ويقال: إنه اغتاله في برية قاع، ويقال: إن ذلك كان ببلاد دمشق من أرض الشام، وكان قتله شدخا بحجر، فيقال: إن الوحوش هنالك استوحشت من الإنسان، وذلك أنه بدأ فبلغ الغرض بالشر والقتل، فلما قتله تحير في توريته، وحمله يطوف به الأرض، فبعث الله غرابا إلى غراب فقتله ودفنه، فأسف قاين ثم قال ما حكاه القرآن عنه: " " يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي " فدفنه عند ذلك، فلما علم اثم بذلك حزن وجزع وارتاع وهلع.
قال المسعودي: وقد استفاض في الناس شعر يعزونه إلى آدم، أنه قال حين حزن على ولده وأسف على فقده، وهو:
تغيرت البلادومن عليها ... فجه الأرض مغبر قبيح
تغيركل ذي لون وطعم ... وقل بشاشة الوجه الصبيح
وبدل أهلها خمطا وأثل ... ا بجنات من الفرعوس فيح
وجاورناعموليس ينسى ... لعين لايموت فنستريح
وقتل قاين هابيل ظلما ... فا أسفاعلى الوجه المليح
فمالي لا أجودبسكب دمع ... وهابيل تضمنه الضريح
أرى طول الحياة علي غما ... وما أنا من حياتي مستريح
ووجدت في عحة من كتب التواريخ والسير والأنساب أن آدم لما نطق بهذا الشعر أجابه إبليس من حيث يسمع صوته ولا يرى شخصه، وهو يقول:
تنح عن البلاد وساكنيها ... فقد في الأرض ضاق بك الفسيح
وكنت وزوجك الحواء فيها ... أآدم من أذى الدنيا مريح
فما زالت مكايدتي ومكري ... إلي أن فاتك الثمن الربيح
فلولارحمة الرحمن أضحت ... بكفك من جنان الخلدريح
ووجدت أن آدم عليه السلام سمع صوتا ولا يرى شخصا وهو يقول بيتا آخر مفردا عون ما ذكرنا من هذا الشعر، وهو هذا البيت:
أبا هابيل قد قتلا جميعا ... وصارالحي بالميت الذبيح
حواء تحمل بشيث
مخ ۸
فلما سمع آدم ذلك ازداد حزنا وجزعا على الماضي والباقي، وعلم أن القاتل مقتول؟ فأوحى الله إليه إني مخرج منك نوري الذي به السلوك في القنوات الطاهرة والأرومات الشريفة، وأباهي به الأنوار، وأجعله خاتم الأنبياء، وأجعل آله خيار الأئمة الخلفاء، وأختم الزمان بمدتهم، وأغص الأرض بدعوتهم، وأنشرها بشيعتهم، فشمز وتطهر، وقدس، وسبح، واغش زوجتك على طهارة منها، فإن وديعتى تنتقل منكما إلى الولد الكائن منكما، فاقع آدم حواء، فحملت لوقتها، وأشرق جبينها، وتلألأ النور في مخايلها، ولمع من محاجرها، حتى إذا انتهى حملها وضعت نسمة كأسر ما يكون من الذكران، وأتمهم وقارا، وأحسنهم صورة، وأكملهم هيئة، وأعدلهم خلقا، مجللا بالنور والهيبة، موشحا بالجلالة والأبهة، فانتقل النور من حواء إليه حتى لمع في أساريرجبهته وبسق في غرة طلعته، فسما ه آدم شيثا، وقيل شيث هبة الله، حتى إذا ترعرع وأيفع وكمل واستبصر أوعز إليه آدم وصيته، وعرفه محل ما استودعه، وأعلمه أنه حجة الله بعده. وخليفته في الأرض، والمؤدي حق الله إلى أوصيائه، وأنه ثاني انتقالى النر الطاهرة، والجرثومة الزاهرة.
وصية آدم لشيث ثم وفاته
ثم إن آدم حين أدى الوصية إلى شيث احتقبها، واحتفظ بمكنونها، وأتت وفاة آدم عليه السلام، وقرب انتقاله، فتوفي يوم الجمعة لست خلون من نيسان، في الساعة التي كان فيها خلقه، وكان عمره عليه السلام تسعمائة سنة وثلاثين سنة، وكان قد وصى ابنه شيثا عليه السلام على ولده، ويقال: إن آدم مات عن أربعين ألفا من ولده وولد ولده.وتنازع الناس في قبره فمنهم من زعم أن قبره بمنى في مسجد الخيف، ومنهم من رأى أنه في كهف في جبل أبي قبيس، وقيل غيرذ لك، والله أعلم بحقيقة الحال.
حكم شيث بن آدم
وإن شيثا حكم في الناس، واستشرع صحف أبيه وما أنزل عليه في خاصته من الأسفار والأشراع، وإن شيثا واقع امرأته فحملت بأنوش فانتقل النور إليها، حتى إذا وضعته لاح النور عليه، فلما بلغ الوصاة أوعز إليه شيث في شأن الوديعة وعرفه شأنها وأنها شرفهم وكرمهم وأوعز إليه أن ينبه وللده على حقيقة هذا الشرف وكبر محله، وأن ينبهوا أولادهم عليه، ويجعل ذلك فيهم وصية منتقلة ما دام النسل.فكانت الوصية جارية تنتقل من قرن إلي قرن، إلى أن أدى الله النور إلى عبد المطلب وولده عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا موضع تنازع بين الناس من أهل الملة، ممن قال بالنص وغيرهم من أصحاب الاختيار، س القائلون بالنص هم الإباضية أهل الإمأمة من شيعة علي بن أبي طالب رضتي الله عنه والطاهرين من ولده الذين زعموا أن الله لم يخل عصرا ش الأعصار من قائم بحق الله: إما أنبياء وإما أوصياء منصوص على أسمائهم وأعيانهم من الله ورسوله، وأصحاب الاختيار هم فقهاء الأمصار المعتزلة وفرق من الخوارج والمرجئة وكثير من أصحاب الحديث والعوام فرق من الزيدية فزعم هؤلاء أن الله ورسوله فؤض إلى الأمة أن تختار جلا منها فتنصبه لها إماما، وأن بعض الأعصار قد يخلو من حجة الله، هو الإمام المعصوم عند الشيعة، وسنذكر فيما يرد من هذا الكتاب لمعا من يضاح ما وصفنا من أقاويل المتنازعين وتباين المختلفين.
انوش بن شيث ولود
مخ ۹
وإن أنوش قد لبث في الأرض يعمرها، وقد قيل والله أعلم إن شيثا أصل النسل من آدم عون سائر ولده، وقيل غير ذلك، وكانت وفاة شيث قد مضت له تسعمائة سنة واثنتا عشرة سنة وفي زمن أنوش قتل قاين ابن آدم قاتل أخيه هابيل، ولمقتله خبر عجيب قد أوردناه في أخبار الزمان في الكتاب الأوسط، وكانت وفاة أنوش لثلاث خلون من تشرين الأول، كانت مدته تسعمائة سنة وستيم.، سنة، وكان قد ولد له قينان،ولاح النور في جبينه، وأخذ عليه العهد، فعمر البلاد حتى مات، فكانت مدت تسعمائة سنة وعشرين سنة ، وقد قيل: إن موته كان في تموز بعدما ولد لى مهلائيل، فكانت مدة مهلائيل ثمانمائة سنة، وقد ولد له لود، والنور متوارث، والعهد مأخوذ، والحق قائم، ويقال: إن كثيرا من الملاهي أحدثت في أيامه، أحدثها ولد قاين قاتل أخيه، ولولد قاين مع ولد لو حروب وقصص قد أتينا على ذكرها في كتابنا أخبار الزمان ووقع التحارب بين ولد شيث وبين غيرهم من ولد قاين، فنوع من الهند ممن يقر بآدم، ينتسوبن إلى هذا الشعب من ولد قاين وأكثر هذا النوع بأرض قمار مز أرض الهند، وإلى بلدهم أضيف العود القماري ة فكانت حياة لود سبعمائأ سنة واثنتين وثلاثين سنة، وكانت وفاته في آذار.
أخنوخ
وقام بعحه ولم! أخنوخ، وهو إدريس النبي صلى الله عليه وسلم، والصابئة تزعم أنه هو هرمس، ومعنى هرمس عطارد، وهو الذي أخبر الله عزوجل في كتابه أنه رفعه مكانا عليا وكانت حياته في الأرض ثلاثمائأ سنة، وقيل أكثر من ذلك، وهو أول من درز الدروز، وخاط بالإبرة، وأنزل عليه ثلاثون صحيفة، وكان قد نزل قبل ذلك على آدم إحدى وعشرون صحيفة، وأنزل على شيث تسع وعشرون صحيفة فيها تهليل وتسبيح.
متوشلح
وقام بعده متوشلح بن أخنوخ، فعمر البلاد والنور في جبينه، وولد لا أولاد، وقد تكلم الناس في كثير من ولده، وإق البلغر والروس والصقالبة من ولده، وكانت حياته تسعمائة سنة وستين سنة، ومات في أيلول.
لمك
وقام بعده لمك، وكان في أيامه كوائن واختلاط في النسل، وتوفي،وكانت حياته سبعمائة سنة وتسعين سنة.
نوح
وقام بعدهنوح بن لمك عليه السلام، وقد كثبر الفساد في الأرض ة فاشتذت دياجي الظلم، فقام في الأرض داعيا إلى الله، فأ بوا إلا طغيانا وكفرأ، فدعا الله عليهم، فأوحى الله إليه أن اصنع الفلك، فلما فرغ من السفينة أتاه جبرائيل عليه السلام بتابوت آدم فيه رمته وكان ركوبهم في السفينة يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من آذار، فأقام نوح ومن معه في السفينة على ظهر الماء وقد غرق جميع الأرض خمسة أشهر، ثم أمر الله تعالى الأرض أن تبتلع الماء والسماء أن تقلع، واستوت السفينة على الجودي، والجودي: جبل ببلاد باسورى، وجزيرة ابن عمر ببلاد الموصل، وبينه وبين دجلة ثمانية فراسخ، وموضع جنوح السفينة على رأس هذا الجبل إلى هذه الغاية.
وذكر أن بعض الأرض لم يسرع إلى بلع الماء، ومنها ما أسرع إلىبلعه عندما أمرت، فما أطاع كان ماؤه عذبا إذا احتفر، وما تأخر عن القبول أعقبها الله بماء ملح إذا احتفر، وسباخ وملاحات، ورمال، وما تخلف من الماء الذي امتنعت الأرض من بلعه انححر إلى قعور مواضع من الأرض، فمن ذلك البحار، وهي بقية الماء الذي عصت أرضه أهلك به أمم، وسنذكر بعد هذا الموضع من كتابنا هذا أخبار البحار ووصفها.
أولاد نوح
ونزل نوح من السفيتة ومعه أولاده الثلاثة، وهم: سام، وحام، ويافث، وكناته الثلاث أزواج أولاثه، وأربعون رجلا، وأربعون امرأة، وصاروا إلى سفح الجبل فابتنوا هنالك مدينة وسموها ثمانين، وهو اسمهاإلى وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ودثر عقب هؤلاء الثمانين نفسا، وجعل الله نسل الخليقة من نوح من الثلاثة من ولم!، وقد أخبر الله عز وجل بذلك بقوله: " " وجعلنا ذريته هم الباقين " والله أعلم بهذا التأوبل.
والمتخلف عنه من ولمه الذي قال له: " يا بني اركب معنا هويام.
مخ ۱۰
وقسم نوح الأرض بين أولاثه أقساما، وخص كل واحد بموضع،ودعا على ولده حام لأمر كان منه مع أبيه قد اشتهر، فقال ة ملعون حام، عبد عنيد يكون لإخوته، ثم قال: مبارك سام، ويكثر الله يافث، ويحل يافث في مسكن سام. ووجدت في التوراة أن نوحا عاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، فجميع عمرنوح تسعمائة وخمسون سنة وقد قيل غيرذلك.
مساكن حام بن نوح
فانطلق حام وأتبعه ولده، فنزلوا مساكنهم في البر والبحر على حسب ما نذكره بعد هذا الموضع من هذا الكتاب، وسنذكر تفرق النسل في الأرض ومساكنهم فيها من ولد يافث وسام وحام.
مساكن سام
فأما سام فسكن وسط الأرض من بلاد الحرم إلى حضرموت إلى عمان إلى عالج، فمن ولده إرم بن سام، وإرفخشذ بن سام بن نوح.
إرم بن سام
ومن ولد إرم بن سام عاذ بن عوص بن إرم بن سام وكانوا ينزلون الأحقاف من الرمل، فأرسل إليهم هوذ..
ثمود من ولد سام
وثمود بن عابر بن إرم بن سام، وكانوا ينزلون الحجر بين الشام والحجاز، فأرسل الله إليهم أخاهم صالحا، وكان من أمرهم مع صالح ما قد اتضح أمره، واشتهر خبره، وسنذكر بغد هذا الوضع من هذا الكتاب لمعا من أخباره وأخبار غيره من الأنبياء عليهم السلام.
طسم وجديسر وعمليق
وطسم وجديس ابنا لاوذ إرم، وكانوا ينزلون اليمأمة والبحرين، وأخوهما عمليق بن لاوذ بن إرم، نزل بعضهم الحرم، وبعضهم الشام، ومنهم العماليق، تفرقوا في البلاد، وأخوهم أميم بن لاوذ نزل أرض فارس، وسنذكر في باب تنازع الناس في أنساب الفرس من هذا الكتاب من ألحق كيومرت بأميم، وقيل: إن أميما نزل أرض وبار وهي التي غلبت عليها الجن على ما زعم الأخباريون من العرب.
ونزل بنو عبيل بن عوص أخي عاد بن عوص مدينة الرسول عليه السلام.
ماش بن إرم وأولالده
وولد سام بن نوح ماش بن إرم بن سام، ونزل بابل على شاطىء الفرات فلد نمروذ بن ماش، وهو الذي بنى الضرح ببابل، وجسر جسرا ببابل على شاطىء الفرات، وملك خمسمائة سنة، وهو ملك النبط، وفي زمانه فرق الله الألسن : فجعل في ولد سام تسعة عشر لسانا، وفي ولد حام سبعة عشر لسانا، وفي ولد يافث ستة وثلاثين لسانا، وتشعبت بعد ذلك اللغات وتفرقت الألسن، وسنذكر هذا في موضعه الذي يوجد في كتابنا هذا، وتفرق الناس في البلاد، وما قالوا في ذلك من الأشعار عند تفرقهم في البلاد بأرض بابل، ويقال: إن فالغ هو الذي قسم الأرض بين الأمم، ولذلك سمي فالغ، وهو فالح: أي قاسم.
فالغ بن سالخ وأولاده
وولد إرفخشذ بن سام بن نوح شالخ، فلد شالخ فالغ بن شالخ الذي قسم الأرض وهو جد إبراهيم عليه السلام، وعابر بن شالخ، وابنه قحطان بن عابر، وابنه يعرب بن قحطان، وهو أول من حياه ولده تحية الملك آنعم صباحا وأبيت اللعن وقيل: إن غيره حي بهذه التحية من ملوك الجيرة، وتحطان أبو اليمن كلها على حسب ما نذكربن شاء الله تعالى في باب تنازع الناس في أنساب اليمن من هذا الكتاب، وهو أول من تكلم بالعربية لإعرابه من المعاني وإبانته عنها، ويقطن بن عابر بن شالخ هو أبو جرهم وجرهم بنو عم يعرب، وكانت جرهم ممن سكن اليمن وتكلموا بالعربية، ثم نزلوا بمكة فكانوا بها، على حسب ما نورده من أخبارهم، وقطورا بنو عم لهم، ثم أسكنها الله إسماعيل عليه السلام، ونكح في جرهم؛ فهم أخوال ولده.
وذكر أهل الكتاب أن لمك بن سام بن نوح حي، لأن الله عزوجل أوحى إلى سام: إن الذي وكلته بجسد اعم أبقيته إلى آخر الأبد، وذلك أن سام بن نوح دفن تابوت آدم في وسط الأرض، وكل لمكا بقبره، وكانت وفاة سام يوم الجمعة؛ وذلك في أيلول، وكان عمره إلى أن قبضه الله عزوجل ستمائة سنة.
إرفخشذ بن سام
وكان القيم بعد سام في الأرض ولحه إرفخشذ، وكان عمره إلى أن قبضه الله عزوجل أربعمائة سنة وخمسا وستين سنة، وكانت وفاته في نيسان.
شالخ بن إرفخشذ
ولما قبض الله إرفخشذ قام بعده ولده شالخ بن إرفخشذ، وكان عمره إلى أن قبضه الله عز وجل أربعمائة سنة وثلاثين سنة.
عابر بن شالخ
ولما قبض الله شالخ قام بعده ولده عابر؛ فعمر البلاد، وكانت في أيامه كوائن وتنازع في مواضع من الأرض، وكان عمره إلى أن قبضه الله عز وجل إليه ثلاثمائة سنة وأربعين سنة.
فالغ بن عابر
مخ ۱۱
ولما قبض الله عابر قام بعده وللى فالغ علىنهج من سلف من آبائه، وكان عمره إلى أن قبضه الله عزوجل مائتي سنة وثلاثين سنة، وقد قدمنا ذكره في هذا الكتاب فيما سلف، وما كان بأرض بابل عند تبلبلى الألسن.
رعو بن فالغ
ولما قبض الله فالغ قام بعده ولده رعوبن فالغ، وقيل: إن في زمنه 0كان مولد خمروذ الجبار، وكان عمره إلى أن قبضه الله مائتي سنة، وكانت وفاته في نيسان.
ساروغ بن رعو
ولما قبض الله رعو قام بعدهساروغ بن رعو، وقيل: إنه في أيامه ظهرت عبادة الأصنام والصور، لضروب من العلل أحدثت في الأرض وشبه ذلك، وكان عمره إلى أن قبضه الله إليه مائتي سنة وثلاثين سنة.
ناحور بن ساروغ
ولما قبض الله ساروغ قام بعده ناحور بن ساروغ مقتديا بمن سلف من آبائه، وحدث في أيامه رجف وزلازل لم تعهد فيما سلف من الأيام قبله، وأحدثت في أيامه ضروب من المهن والالات، وكانت في أيامه حروب وتحزيب الأحزاب من الهند وغيرها، وكان عمره إلى أن قبضه الله إليه مائة سنة وستا وأربعين سنة.
تارح بن ناحور
ولما قبض الله ناحور قام بعده ولده تارح، وهو آزر أبو إبراهيم الخليل، وفي عصره كان نمروذ بن كنعان، وفي أيام نمروذ حدثت في الأرض عبادة النيران والأنوار، وجعل لها مراتب في العبادات، وكان في الأرض هرج عظيم من حروب وإحداث كور وممالك بالشرق والغرب،وغير ذلك، وظهر القول بأحكام نجوم وصورت الأفلاك، وعملت لها اللآلات، وقرب فهم ذلك إلى قلوب الناس، فنظر أصحاب النجوم إلى طالع السنة التي ولد فيها إبراهيم عليه السلام وماذا يوجب، فأخبروا النمروذ أن مولودا يولد يسفه أحلامهم، ويزيل عبادتهم، فأمر النمروذ بقتل الولدان، وأخفي إبراهيم عليه السلام في مغارة، ومات آزر، وهو تارح، وكان عمره إلى أن قبضه الله عزوجل مائتين وستين سنة، والله الموفق للصواب.
ذكر قصة إبراهيم ومن تلأ عصره من الأنبياء والملوك من بني إسرائيل وغيرهم
ولما نشأ إبراهيم عليه السلام، وخرج من المغارة التي كان بها، وتأمل آفاق الأرض والعالم، وما فيه دلائل الحدوث والتأثير، نظر إلى الزهرة وإشراقها فقال: هذا ربي، فلما رأى القمر أنور منها قال: هذا ربي، فلما رأى الشمس أبهر مما رأى قال: هذا ربي هذا أكبر، وقد تنازع الناس في قول إبراهيم هذا ربي، فمنهم من رأى أن ذلك كان منه على طريق الاستدلال والاستخبار، ومنهم من رأى أن ذلك منه كان قبل البلوغ وحال التكليف، ومنهم من رأى غير ذلك، فأتاه جبرائيل فعلمه دينه، واصطفاه الله نبيا وخليلا، وكان قد أوبي رشده من قبل، ومن أوتي رشده فقد عصم من الخطأ والزلل وعبادة غير الواحد الصمد، فعاب إبراهيم عليه السلام على قومه ما رأى من عبادتهم واتخاذهم المجوفات آلهة لهم، فلما كثر عليهم ذم إبراهيم لالهتهم، واستفاض ذلك فيهم اتخذ النمروذ النار وألقاه فيها، فجعلها الله بردا ولمسلاما، وخمدت النار في سائر بقاع الأرض في ذلك اليوم.
مولد إسماعيل بن إبراهيم
وولد لإبراهيم إسماعيل عليهما السلام، وذلك بعد أن مضى من عمره ست وثمانمون سنة أو سبع وثمانون سنة وقيل: تسعون سنة من هاجر جارية كانت لسارة، وكانت سارة أول من آمن بإبراهيم عليه السلام، وهي ابنة بتوايل بن ناحور، وهي ابنة عم إبراهيم، وقد قيل غير هذا مما سنورور بعد هذا الموضع، وأمن به لوط بن هاران بن تارح بن ناحور، وهو ابن أخي إبراهيم عليه السلام.
أصحاب المؤتفكة
مخ ۱۲
وأرسل الله لوطا إلى المدائن الخسمن، وهي: سدوم، وعمورا، وأدموتا، وصاعورا، وصابورا، وإن قوم لوط هم أصحاب المؤتفكة، وهذا الاسم مشتق من الإفك، وهو الكذب على رأي من ذهب إلى الاشتقاق، وقد ذكرهم الله في كتابه بقوله: " والمؤتفكة أهوى " وهذه بلاد بين تخوم الشام والحجاز مما يلي الأردن وبلاد فلسطين، إلا أن ذلك في حيز الشام، وهي مبقاة إلى وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة خرابا لا أحد بها، والحجارة المسومة موجودة فيها يراها الناس السفار سوداء براقة، فأقام فيهم لوط بضعا وعشرين سنة يدعوهم إلى الله فلم يؤمنوا، فأخذهم العذاب على حسب ما أخبر الله من شأنهم. ولما ولد إسماعيل لإبراهيم من هاجر غارت سارة فحمل إبراهيم إسماعيل وهاجر إلى مكة فأسكنها بها، وذلك قوله عز وجل يخبر عن إبراهيم: " " رب إني أسكنت من فريتي بواد غير في زرع عند بيتك المحرم " فأجاب الله دعوته، وآنس وحشتهم، بجرهم والعماليق، وجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم.
وأهلك الله قوم لوط في عهد إبراهيم لما كان من فعلهم واتضح من خبرهم ثم أمر الله إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، فبادر إلى طاعة ربه،وتله للجبين؟ ففداه الله بذبح عظيم، ورفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل.
مولد إسحاق
ثم ولد لإبراهيم من سارة " إسحاق عليه السلام، وذلك بعد مضي عشرين ومائة سنة من عمره.
الذبيح من ولد إبراهيم
وقد تنازع الناس في الذبيح، فمنهم من ذهب إلى أنه إسحاق، ومنهم من رأى أنه إسماعيل، فإن كان الأمر وقع بالذبح بالحجاز فالذبيح إسماعيل، لأن إسحاق لم يدخل الحجاز، هان كان الأمر بالذبح وقع بالشام فالذبيح إسحاق، لأن إسماعيل لم يدخل الشام بعد أن حمل منه. وتوفيت سارة وتزوج إبراهيم بعد ذلك بقنطوراء، فلد منها ستة ذكور، وهم: مرق، ونفس، ومدن، ومد ين، وسنان، وسرح، وتوفي إبراهيم بالشام، وكان عمره إلى أن قبضه الله عزوجل مائة سنة وخمسا وتسعين سنة، وأنزل الله عليه عشرا من الصحف.
أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل
وتزوج إسحاق بعد إبراهيم برفقا ابنة بتوايل ؛ فلدت له العيص ويعقوب في بطن واحد، وكان البادىء منهما إلى الفصل عيص، ثم يعقوب، وكان لإسحاق في وقت مولدهما ستون سنة، وذهب بصر إسحاق، فدعا ليعقوب بالرياسة على إخوته والنبوة في ولده، ودعا لعيص يالملك في ولده، وكان عمر إسحاق إلى أن قبضه الله مائة وخمسا وثمانين سنة، ودفن مع أبيه الخليل، ومواضع قبورهم مشهورة، وذلك على ثمانية عشر ميلا من بيت المقدس في مسجد هناك يعرف بمسجد إبراهيم ومراعيه.
يعقوب بن إسحاق وأخوه العيص
وقد كان إسحاق أمر ولده يعقوب بالمسير إلى أرض الشام وبشره بالنبوة ونبوة أولاده الاثني عشر، وهم: لاوى، ويهوذا، ويساخر، وزبولون، ويوسف، وبنيامين، ودان، ونفتالى، وكان، وإشا ر، وشمعون، وروبيل، هؤلاء الأسباط الاثنا عشر، والنبوة والملك في عقب أربعة منهم: لاوى، ويهوذا، ويوسف، وبنيامين، وكثرجزع يعقوب من أخيه العيص و، فأمنه الله من ذلك، وكان ليعقوب خمسة آلاف وخمسمائة من الغنم؛ فأعطى يعقوث لأخيه العيص العشرمن غنمه استكفاء للشر وخوقا من سطوته، من بعد أن آمنه الله عزوجل من خوفه، وأن لا سبيل له عليلا، فعاقبه الله في وللى لمخالفته لوعده، فأوحى الله تعالى إليه: ألم تطمئن إلى قولي. فلأجعلن ولد العيص يملكون ولدك خمسمائة وخمسين عاما، وكانت المدة منذ أخربت الروم بيت المقدس، واستعبدت بني إسراثيل إلى أن فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس.
وكان أحب ولد يعقوب إليه يوسف؛ فحسده إخوته على ذلك، وكان من أمره مع إخوته ما قص الله عزوجل في كتابه، وأخبر به على لسان نبيه، واشتهر ذلك في أمته.
وفاة يعقوب ويوسف
وقبض الله عز وجل يعقوب ببلاد مصر، وهو ابن مائة وأربعين سنة، فحمله يوسف فدفنه ببلاد فلسطين، عند تربة إبراهيم وإسحاق، وقبض الله يوسف بمصر وله مائة وعشرون سنة، وجعل في تابوت من الرخام، وسد بالرصاص، وطلى الأطلية الدافعة للهواء والماء، وطرح في نيل مصر نحو مدينة منف، وهناك مسجده وقيل: إت يوسف أوصى أن يحمل فيدفن عند قبر أبيه يعقوب في مسجد إبراهيم عليه السلام
أيوب النبي
مخ ۱۳
وكان في عصره أيوب النبي صلى الله عليه وسلم، وهوأيوب بن موص بن زراح بن رعوايل بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام،وذلك في بلاد الشام من أرض حوران والبثنية من بلاد الأردن من بين دمشق والجابية، وكان كثير المال والولد، فابتلاه الله في نفسه وماله وولده، فصبر، ورد الله عليه ذلك، وأقاله عثرته، واقتص ما اقتص من أخباره في كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ومسجده والعين التي اغتسل مئها في وقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلائمائة، مشهوران ببلاد نوى والجولان فيما بين لمحمشق وطبرية من بلاد الأردن، وهذا المسجد والعين على ثلاثة أميال من مدينة نوى، أو نحو ذلك، والحجر الذي كان يأوي إليه في حال بلائه هو وزوجته واسمها رحمةفي ذلك المسجد إلى هذا الوقت.وذكر أهل التوراة والكتب الأولى أن موسى بن ميشاء بن يوسف بن يعقوب نبي قبل موسى بن عمران، وأنه هو الذي طلب الخضربن ملكان ابن فالغ بن عابوربن شالخ بن إرفخشد بن سام بن نوح، وذكر بعض أهل الكتاب أن الخضر هو خضرون بن عميائيل بن النفر بن العيص بن إسحاق ابن إبراهيم، وأنه أرسل إلى قومه فاستجابوا له.
موسى بن عمران
فكان موسى بن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب بمصر في زمن فرعون الجبار، وهو الوليد بن مصعب بن معاوية بن أبي نمير بن أبي الهلواس بن ليث بن هران بن عمرو بن عملاق، وهو الرابع من فراعنة مصر، وقد كان طال عمره وعظم جسمه، وكان بنو إسرائيل قد استرقوا بعد مضي يوسف، واشتد عليهم البلاء، وأخبر أهل الكهانة والنجوم والسحر فرعون أن مولودأ سيولد ويزيل ملكه ويحدث ببلاد مصر أمورا عظيمة، فجزع لذلك فرعون، وأمر بذبح الأطفال، وكان من أمر موسى ما أوحى الله عزوجل إلى أمه في أمره: أن اقذفيه في اليم، فقذفته، إلى آخر ما اقتص من خبره، وأوضحه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.
وكان في ذلك الزمان شعيب عليه السلام، وهو شعيب بن نويت بن رعوايل بن مر بن عنقاء بن مدين بن إبراهيم، وكان لسانه عربيا، وكان مبعوثا إلى أهل مدين، ولما خرج موسى عليه السلام هاربا من فرعون مر بشعيب النبي عليه السلام، وكان من أمره معه وتزويجه ابنته ما قد ذكره الله عزوجل.
هارون أخو موسى وبعثهما إلى فرعون
مخ ۱۴
وكلم الله موسى تكليما، وشد عضده بأخيه هارون، وبعثهما إلى فرعون، فخالفهما، فأغرق الله عز وجل فرعون، وأمره الله عز وجل بالخروج ببني إسرائيل إلى التيه، وكان عددهم ستمائة ألف بالغ دون من ليس ببالغ، وكانت الألواح التي أنزلها الله على موسى بن عمران على جبل طور سيناء من زمرد أخضر فيها كتابة بالذهب، فلما نزل من الجبل رأى قوما من بني إسرائيل قد اعتكفا على عبادة عجل لهم، فارتعد، فسقطت الألواح من يده، فتكسرت، فجمعها وأودعها تابوت السكينة مع غيرها وجعله في الهيكل، وكان هارون كاهنا؛ وهو قيم الهيكل وأتم الله عزوجل نزول التوراة على موسى بن عمران وهو في التيه، وقبض الله هارون في التيه فدفن في جبل وموات من نحو جبل الشراة مما يلي الطور، وقبره مشهور في مغارة عادية يسمع منها في بعض الليالي عوقي عظيم يجزع منه كل فيى روح، وقيل: إنه غير مدفن، بل هو موضوع في تلك المغارة، ولهذا الموضع خبر عجيب قد ذكرناه في كتابنا أخبار الزمان عن الأمم الماضية والممالك الداثرة ومن وصل إلى هذا الموضع علم ما وصفنا، وكان ذلك قبل وفاة نوسى بسبعة أشهر، وقبض الله هارون وهو ابن مائة وثلاث وعشرين سنة، وقيل: إنه قبض وهو ابق مائة وعشرين، وقيل: إن موسى قبض بعد وفاة هارون بثلاث سنين، وإنه خرج إلى الشام وكان له بها حروب من سرايا كانوا يسرونها من البر إلى العماليق والقربانيين والمدنيين وغييرهم ممن كانوا بالشام وغيرهم من الطوائف على حسب مافي التوراة، وأنزل الله عز وجل على موسى عشر صحف، فاستتم مائة صحيفة، ثم أنزل الله عليه التوراة بالعبرانية وفيها الأمر والنهي والتحريم والتحليل والسنن والأحكام، وذنك في خمسة أسفار، والسفر يريدون به الصحيفة، وكان موسى قد ضرب التابوت الذي فيه السكينة من الذهب من ستماتة ألف مثقال وسبعمائة وخمسين مثقالا،
فصار الكاهن بعد هارون يوشع بن نون بن سبط يوسف، وقبض الله موسى وهو ابن عشرين ومائة سنة، ولم يحدث لموسى ولا لهارون شيء من الشيب، ولا حالا عن صفة الشباب. ولما قبض الله عز وجل موسى بن عمران سار يوشع بن نون ببني إسرائيل إلى بلاد الشام، وقد كان غلب عليها الجبابرة من ملوك العماليق وغيرهم من ملوك الشام، فأسرى إليهم يوشع بن نون سرايا، وكانت له معهم وقائع، فافتتح بلاد أريحاء وزغر من أرض الغور، وهي أرض البحيرة المنتنة التي لا تقبل الغرقى، ولا يتكون فيها ف روح من سمك ولا عيزه، وقد ذكرها صاحب المنطق وغيره من الفلاسفة ومن تقدم وتأخر من عصره، وإليها ينتهي ماء بحيرة طبرية، وهو الأردن، وبدء ماء بحيرة طبرية من بحيرة كفرلى والقرعون من أرض دمشق، فإذا انتهى مصب نهر الأردن إلى البحيرة المنتنة خرقها وانتهى إلى وسطها متميزا عن مائها فيغوص في وسطها، وهو نهر عظيم، فلا يدري أين غاص من غير أن يزيد في البحيرة ولا ينقص منها، ولهذه البحيرة أعني المنتنة أخبار عجيبة وأقاصيص طويلة، وقد أتينا على ذلك في كتابنا أخبار الزمان عن الأمم الماضية والملوك الداثرة وذكرنا أخبار الأحجار التي تخرج منها على صورة البطيخ على شكلين، ويعرف الواحد منها بالحجر اليهودي، وذكرته الفلاسفة، واستعمله أهل الطب لمن به وجع الحصاة في المثانة، وهو نوعان: ذكر، وأنثى، فالذكر للرجال، والأنثى للنساء، ومن هذه البحيرة يخرج الغبار المعروف بالحمرة، وليس في الدنيا والله أعلم بحيرة لا يتكون فيها ف روح من سمك وغيره إلا هذه البحيرة، وبحيرة ركبتها ببلاد أفربيجان بين مدينة إرمينية والمراغة، وهي المعروفة هنا بكبودان، وقد ذكر الناس ممن تقدم عذر عدم تكون الحيوان في البحيرة المنتنة، ولم يتعرضوا لبحيرة كبودان، وينبغي على قياس قولهم أفي تكون علتهما واحدة.
مخ ۱۵
وسار ملك الشام وهو السميدع بن هوبر بن مالك إلى يوشع بن نون؛ فكانت بينهم حروب إلى أن قتله يوشع، واحتوى على جميع ملكه، وألحق به غيره من الجبابرة والعماليق، وشن الغارات بأرض الشام، وكانت مدة يوشع بن نون في بني إسرائيل بعد وفاة موسى بن عمران تسعا وعشرين سنة، وهو يوشع بن نون بن إفرائيم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، وقيل: إن يوشع بن نون كان بدء محاربته لملك العماليق وهو السميدع ببلاد أيلة نحو مدين، ففي ذلك يقول عوف بن سعد الجرهمي: ألم ترأن العملقي ابن هوبر ... بأيلة أمسى لحمه قد تمزعا
تداعت عليه من يهود حجافل ... ثمانين ألفا حاسرين ودرعا
فأمست عدادا للعماليق بعده ... على الأرض مشيا مصعدين وفزعا
كأن لم يكونوا بين أجبال مكة ... ولم يرراء قبل ذاك السميدعا
بلعم بن باعوراء
وكان بقرية من قرى البلقاء من بلاد الشام رجل يقال له بلعم بن باعوراء بن سنور بن وسيم بن ناب بن لوط بن هاران، وكان مستجاب الدعوة، فحمله قومه على الدعاء على يوشع بن نون، فلم يتأت له ذلك، وعجز عنه، فأشار على بعض ملوك العماليق أن يبرزوا الحسان من النساء نحو عسكر يوشعع بن نون ففعلوا، فتسرعوا إلى النساء فقع فيهم الطاعون، فهلك منهم سبعون ألفا، وقيل أكثر من ذلك وبلعم هو الذي أخبر الله عنه أنه آتاه الآيات فانسلخ منها وقيل: إن يوشمع بن نون قبض وهو ابن مائة وعشرين سنة.
كالب بن يوقنا
وقام في بني إسرائيل بعد يوشع بن نون كالب بن يوقنا بن بارض بن يهوذا، ويوشع وكالب الرجلان اللذان أنعم الله عليهما. قال المسعودي: ووجدت في نسخة أن القائم في بني إسرائيل بعد وفاة يوشع بن نون كوشان الكفري، وأنه أقام فيهم ثمانين سنة، وهلك، وملك عميائيل بن قابيل من سبط يهوذا أربعين سنة، وقيل: كوش جبار كان في آب من أرض البلقاء، وإن بني إسرائيل كفرت بعد ذلك فملك الله عليهم كنعان عشرين سنة، وهلك، فكان على بني إسرائيل عملال الأحباري أربعين سنة، ثم قام شمويل إلى أن وليهم طالوت، وخرج عليهم جالوت الجبار ملك البربر من أرض فلسطين. قال المسعودي: فأما على الرواية الأولى التي قمنا ذكرها أن القيم بعد يوشع في بني إسرائيل كالب بن يوقنا وأن القائم بعده في بني إسرائيل والمدبر لهم فنحاص بن العازر بن هارون بن عمران ثلائين سنة، وكان عمد إلى مصاحف موسى بن عمران عليه السلام فجعلها في خابية نحاس ورصص رأسها، وأتى بها صخرة بيت المقدس، وذلك قبل بنائه فانفرجت، فإذا مغارة فيها صخرة ثانية، فضع الخابية فيها، وانضصت الصخرة على ذلك ككونها أولا.
ولما هلك فنحاص بن العازر دبر أمرهم كوشان الأثيم ملك الجزيرة فتعبد بني إسرائيل، وأخذهم البلاء ثمان سنين، ثم دبرهم عنيائيل بن يوقنا أخو كالب من سبط يهوذا أربعين سنة، ثم دبرهم أعلون ملك مواب بجهد شديد ثمان عشرة سنة، ثم دبرهم أهوذ من ولد إفرايم خمسا وخمسين سنة، ولخمس وثلاثين سنة خلت من أيامه ثم للعالم أربعة آلاف سنة وقيل غير ذلك من التاريخ، ثم دبرهم شاعان بن أهوذ خمسا وعشرين سنة، ثم دبرهم يابين الكنعاني ملك الشام عشرين سنة ثم دبرهم امرأة يقال لها دبورا، وقيل: إنها ابنته، وضمت إليها رجلا من سبط نفتالي يقال له باراق أربعين سنة، ثم تداولتهم رؤوس من بني مدين وهم عريب وربيب وبرسونا ودراع وصلنا تسع سنين وثلاثة أشهر، ثم دبرهم كدعون من آل منشا أربعين سنة، وقتل ملوك مدين،.ثم ابنه أبيمالخ ثلاث سنين وثلاثة أشهر، ثم دبرهم تولع من آل إفراين ثلاثا وعشرين سنة، ثم يامين من آل منشا اثنتين وعشرين سنة، ثم ملوك عمان ثماني عشرة سنة وثلاثة أشهر ثم نحشون من بيت لحم سبع سنين، ثم شنشون عشرين سنة، ثم أملج عشر سنين، ثم عجران ثماني سنين، ثم قهرهم ملوك فلسطين أربعين سنة، ثم عيلان الكاهن بعد ذلك أربعين سنة، وفي زمانه ظفر البابليون ببني إسرائيل وغنموا التابوت، وكان بنو إسرائيل يستفتحون به، فحملوه إلى بابل، وأخرجوهم من ديارهم وأبناءهم، وكان ما كان من أمرف حزقيل، وهم الذين أخرجوا من ديارهم وهم ألوف حنر الموت، فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، وكان قد أصابهم الطاعون، فبقي منهم ثلثةز أسباط، فلحقت فرقة بالرمل، وفرقة بشواهق الجبال، وفرقة بجزيرة من جزائر البحر، وكان لهم خبر طويل حتى رجعوا إلى ديارهم، فقالوا لحزقيل: هل رأيت قوما أصابهم ما أصابنا؟ قال: لا، ولا سمعت بقوم فروا من الله فراركم، فسلط الله عليهم الطاعون سبعة أيام، فماتوا عن آخرهم، ودبر بني إسرائيل بعد عيلان الكاهن شمويل بن بروحان ابن ناحورا، ونبىء فمكث فيهم عشرين سنة.
طالوت وجالوت
مخ ۱۶
ووضع الله عز وجل عنهم القتال، وصلح أمرهم، فخلطوا بعد ذلك، فقالوا لشمويل: ابعث لنا ملكا يقاتل معنا في سبيل الله، فأمر بتمليك طالوت، وهو ساود بن بشر بن إينال بن طرون بن بحرون بن أفيح بن سميداح بن فالح بن بنيامين بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، فملكه الله عليهم، ولم يجمعهم قبل ذلك مثل طالوت، وكان بين خروج موسى عليه السلام ببني إسرائيل من مصر إلى أن ملك على بني إسرائيل طالوت خمسمائة سنة واثنتان وسبعون سنة وثلاثة أشهر، وكان طالوت دباغا يعمل الأدم فأخبرهم نبيهم شمويل أن الله قد بدث لكم طالوت ملكا، فقالوا فيه ما أخبر الله عزوجل في كتابه: " وأنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه، ولم يؤت سعة من المال؟ قال: إن الله اصطفاه عليكم، وزاعه بسطة في العلم والجسم " وأخبرهم نبيهم أن " وآية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة، من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة " وكان مدة ما مكث التابوت ببابل عشر سنين، فسمعوا عند الفجر حفيف الملائكة تحمل التابوت، واشتد سلطان جالوت، وكثرت عساكره وقواور، وبلغه انقياد بني إسرائيل إلى طالوت، فسار جالوت من فلسطين بأجناس من البربروهو جالوت بن بايول بن ريال بن حطان بن فارس فنزل بساحة بني إسرائيل، فأمر شمويل طالوت بالمسير ببني إلبمرائيل إلى حرب جالوت، فابتلاهم الله عز وجل بنهر بين الأردن وفنسطين، وسلط الله عليهم العطش، وقد قص الله ذئك في كتابه، ومروا كيف يشربون من النهر، فلغه أهل الريبة ولوغ الكلاب، فقتلهم طالوت عن آخرهم، ثم فضل من خيارهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فيهم إخوة داود عليه السلام ولحق داود بإخوته، فتوافؤ الجيشان جميعا، وكافت الحروب بينهما سجالا، وندب طالؤت الناس، وجعل لمن يخرج إلى جالوت ثلث ملكه ويتزوج ابنته، فبرز داود فقتله بحجر كان في مخلاته، رماه بمقلاع فخر جالوت ميتا، وقد أخبر الله عزوجل بذلك في كتابه بقوله: " وقتل داود جالوت " وقد ذكر أن الحجر الذي كان في مخلاة داود كان ثلاثة أحجار ، فاجتمعت وصارت حجرا واحدا، ولها أخبار قدمت ذكرها فيما سلف من كتبنا، وهي التي قتل بها جالوت، وإن القوم الذين ولغوا في الماء وخالفا ما أمروا به كان القاتل لهم طالوت. وقد أتينا على خبر الدرع التي كان أخبرهم نبيهم أنه لا يقتل جالوت إلا من صلحت عليه تلك الدرع إذا لبسها، وأنها صلحت على داود، وما كان من هذه الحروب، وخبر النهر الذي نش على رأسه، وخبر تملك طالوت، وأخبار البربر وبدء شأنهم في كتابنا في أخبار الزمان، وسنورد بعد هذا جملا من أخبار البربروتفرقهم في البلاد في الموضع اللائق بها من هذا الكتاب.
داود
مخ ۱۷
ورفع الله ذكر داود، وأخمل ذكر طالوت، وأبى طالوت أن يفي لداود بما تقدم من شرطه، فلما رأى ميل الناس إليه زوجه ابنته، وسلم إليه !ثلث الجباية، وثلث الحكم، وثلث الناس. ثم حس!ه بعد ذلك وأراد اغتياله، فمنعه الله عزوجل من ذلك، فأبى داود أن ينافسه في ملكه، ونما أمر داود، فبات طالوت على سرير ملكه فمات من ليلته كمدا، وانقاذث بنوإسرائيل إلى داود عليه السلام، وكانت مدة ملك طالوت عشرين سنة، وذكر أن الموضع الذي قتل فيه جالوت كان ببيسان من أرض الغور من بلاد الأردن، وألانه الله عز وجل لداود الحديد فعمل منه الحروع، وسخر له الجبال والطير يسبحن معه، وحارب داود أهل مواب من أرض البلقاء وأنزل الله عز وجل عليه الزبور بالعبرانية خمسين ومائة سورة، وجعله ثلاثة أثلاث: فثلث ما يلقون من بخت نضر. وما يكون من أمره في المستقبل، وثلث ما يلقون من أهل أثور، وثلث موعظة وترغيب وتمجيد وترهيب، وليس فيه أمر ولا نهي ولا تحليل ولا تحريم، واستقامت الأمور لداود، ولحقت الخوارج من الكفار بأطراف الأرض لهيبة داود، وبنى داود بيتا للعبادة بأورشليم، وهو بيت المقدس، وهو البيت الباقي لوقتنا هذا، وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ويدعى بمحراب داود عليه السلام، وليس في بيت المقدس بناء هو أعلى منه في هذا الوقت، وقد يرى في أعلاه البحيرة المنتنة ونهر الأردن المقدم ذكره، وكان من أمر داود مع الخصمين ما قص الله عزوجل في كتابه من خبره، وقوله لأحدهما قبل استماعه من الاخر: " لقد ظلمك " الآية، وقذ تنازع الناس في خطيئة داود: فمنهم من رأى ما وصفنا ونفى عن الأنبياء المعاصي وتعمد الفسق وأنهم معصومون فكانت الخطيئة ما ذكرنا، وذلك قوله عز وجل: " يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض، فاحكم بين الناس بالحق " ومنهم من رأى أن ذلك كان من قصة أروياء بن حيان ومقتله على ما ذكرنا في كتاب المبتدأ وغيره، وتاب الله عزوجل على داود بعد أربعين يوما كان فيها صائما باكيا، وتزوج داود عليه السلام مائة امرأة.
نشأة سليمان بن داود
ونشأ سليمان بن داود عليه السلام، وبرع، وداخل أباه في قضائه،فآتاه الله فصل الخطاب والحكم، على ما أخبر الله عزوجل عنهما بقوله: " وكلاآتينا حكماوعلما " ولما حضرت داود الوفاة أوصى إلى ولده سليمان، وقبض، فكان ملكه أربعين سنة على فلسطين والأردن، وكان عسكره ستين ألفا أصحاب سيوف جردا مردا أصحاب بأس ونجدة.
لقمان الحكيم
وكان ببلاد مدين وأيلة في عصر داود عليه السلام لقمان الحكيم،وهو لقمان بن عنقاء بن مربد بنم صاوون، وكان نوبيا مولى للقين بن جسر، ولد على عشر سنين من ملك داود عليه السلام، وكان عبدا صالحا فمن الله عزوجل عليه بالحكمة، ولم يزل باقيا في الأرض مظهرا للحكمة والزهد في هذا العالم إلى أبام يونس بن متى حين أرسل إلى أرض نينوى من بلاد الموصل.
ملك سليمان
ولما قبض الله داود عليه السلام قام بعده ولده سليمان بالنبوة والحكم، وغمر عدله رعيته، واستقامت له الأمور، وانقادت له الجيوش، وابتدأ سليمان ببنيان بيت المقدس، وهو المسجد الأقصى الذي بارك الله عزوجل حوله، فلما استتم بناءه بنى لنفسه بيتا، وهو الموضع الذي يسمىفي وقتنا هذا كنيسة القيأمة، وهي الكنيسة العظمى ببيت المقدس عند النصارى، ولهم كنائس غيرها معظمة ببيت المقدس، منها كنيسة صهيون، وقد ذكرها داود عليه السلام، والكنيسة المعروفة بالجسمانية ويزعمون أن فيها قبر داود عليه السلام، وأعطى الله عزوجل لسليمان عليه السلام من الملك ما لم يعطه لأحد من خلقه، وسخر له الجن والإنس والطيروالريح على. حسب ما ذكر الله عزوجل في كتابه، وكان ملك سليمان بن داود على بني إسرائيل أربعين سنة، وقبض وهو ابن اثنتين وخمسين سنة، والله ولي التوفيق.
ذكر ملك أرخبم بن سليمان بن داود عليهما السلأم ومن تلاه من ملوك بني إسرائيل، وجمل من أخبار الأنبياء
ملوك بني إسرائيل بعد وفاة سليمان
مخ ۱۸
وملك على بني إسرائيل بعد وفاة سليمان بن داود عليهما السلام أرخبعم بن سليمان، واجتمعت عليه الأسباط، ثم افترقوا عنه، إلا سبط يهوذا وسبط بنيامين، وكان ملكه إلى أن هلك سبع عشرة سنة، وملك على العشرة الأسباط بوريعم، وكانت له كوائن وحروب، واتخذ له عجلا من الذهب والجوهر، واعتكف على عبادته؟ فأهلكه الله عز وجل، فكان ملكه عشرين سنة، وملك بعدهأبيابن أرخبعم بن سليمان ثلاث سنين، ثم ملك بعده أحاب أربعين سنة وملك بعده يورام، فأظهر عباثة الأصنام والتماثيل والصور، وكان ملكه سنة، ثم ملكت بعده امرأة يقال لها عيلان؛ فضعت السيف في ولد داود عليه السلام، فلم ينج منهم إلا غلام، فأنكرت بنو إسرائيل ذلك من فعلها، فقتلوها، وكان ملكها سبع سنين، وقيل غير ذلك، وملكوا عليهم الغلام الذي بقي من نسل داود، فملك وله سبع سنين، فأقام ملكا أربعين سنة، وقيل دون ذلك، وملك بعده مليصا، وكان ملكه اثنتين وخمسين سنة، وكان في عصره شعيب النبي، ولشعيب معه أخبار، وكانت له حروب قد أتينا على ذكرها في كتاب أخبار الزمان وملك بعده نوقا بن عدل عشرسنين، وقيل: ست عشرة سنة، وملك بعده أجام، فأظهر عبادة الأصنام، وطغى وأظهر البغي، فصار إليه بعض ملوك بابل، وكان يقال له فلعيعس، وكان من عظماء ملوك بابل، وكان للإسرائيلي معه حروب إلى أن أسره البابلي، وخرب مدن الأسباط ومساكنهم، وكان في أيامه تنازع بين اليهود في الديانة، فشذ منهم الأسامرة، وأنكروا نبوة داود عليه السلام ومن تلاه من الأنبياء، وأبوا أن يكون بعد موسى نبي، وجعلوا رؤساءهم من ولد هارون بن عمران، والأسامرة في وقتنا هذا وهو سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة ببلاد فلسطين والأردن، وفي قرى متفرقة مثل القرية المعروفة بعارا، وهي بين الرملة وطبرية، وغيرها من القرى إلى مدينة نابلس، وأكثرهم في هذه المدينة أعني نابلس ولهم جبل يقال له طوريك، وللأسامرة عليه صلوات في أوقاتها، ولهم بوقات من فضة ينفخ فيها عند أوقات الصلاة، وهم الذين يقولون لا مساس ويزعمون أن نابلس هي بيت المقدس، وهي مدينة يعقوب النبي عليه السلام، وهناك مرعاه وهما صنفان متباينان كتباينهم لسائر اليهود، وأحد الصنفين يقال له الكوسان، والآخر الدروسان، أحد الصنفين يقول العالم ومعان غير ذلك أعرضنا عن ذكرها مخافة التطويل، وأن كتابنا هذا كتاب خبرلاكتاب آراء ونحل.
وكان ملك أجام إلى أن أسره الملك البابلي سبع عشرة سنة، ولماأسر الملك أجام ملك ولد له يقال له حزقيل بن أجام، فأظهر عباثة الرحمن، وأمر بتكسير التماثيل والأصنام، وفي ملكه سار سنجارب ملك بابل إلى بيت المقدس، وكانت له حروب كثيرة مع بني إسرائيل، وقتل من أصحابه خلق كثيرون، وسبى من الأسباط عددا كثيرا، وكان ملك حزقيل إلى أن هلك سبعا وعشرين سنة.ثم ملك بعد حزقيل ولد له يقال له ميشا؛ فغمرشره سائرمملكته،وهو الذي قتل شعيبا النبي، فبعث الله قسطنطين ملك الروم فسار إليه في الجيوش فهزم جيشه وأسره فأقام في أرض الروم عشرين سنة، وأقلع عما كان عليه، وعاد إلى ملكه، فكان ملكه إلى أن هلك خمسا وعشرين سنة، وقيل: ثلاثين سنة.ثم ملك بعده ولد له يقال له أمور بن ميشا، فأظهر الطغيان، وكفر بالرحمن، وعبد التماثيل والأصنام، ولما اشتد بغيه سار إليه فرعون الأعرج من بلاد مصر في الجيوش، فأمعن في القتل، وأسره ومضئ به إلى مصر، فمات هناك، وكان ملكه خمس سنين، وقيل غيرذلك.
مخ ۱۹
وملك بعده أخ له يقال له نوفين، وهو أبو دانيال عليه السلام، وفي عصر هذا الملك سار البخت نصر، وهو مرزبان العراق والعرب من قبل ملك فارس، وكان يومئذ ببلخ، وكانت قصبة الملك، فأمعن البخت نضر في القتل لبني إسرائيل والأسر، وحملهم إلى أرض العراق، وأخذ التوراة وما كان في هيكل بيت المقدس من كتب الملوك وطرحه في بئر، وعمد إلى تابوت السكينة فأودعه بعض المواضع من الأرض فيقال: إنه كان عمدة من سبى من بني إسرائيل ثمانية عشرألفا.وفي هذا العصر كان أرميا النبي عليه السلام، وسار بخت نصر إلى مصر ة فقتل فرعون الأعرج، وكان يومئذ ملك مصر، وسار نحو المغرب فقتل بها ملوكا، وافتتح مدائن .وكان ملك فارس تزوج جارية من سبايا بني إسرائيل، فأولدهاولدا، فرذ بني إسرائيل إلى ديارهم، وكان ذلك بعد سنين.
ولما رجعت بنو إسرائيل إلى بلادهم ملكت عليها زريايل بن سلسان،فابتنى مدينة بيت المقدس، وعمر ما كان خرب، وأخرجت بنو إسرائيل التوراة من البئر، واستقامت لهم الأمور، فأقام هذا الملك على عمارة أرضهم ستا وأربعين سنة، وشرع لهم الصلوات وغيرها من الشرائع مما كان تلف منهم في حال السبي، والأسامرة تزعم أن التوراة التي في يد اليهود ليست التوراة التي أوردها موسى بن عمران عليه السلام، وأن تلك حرفت وبدلت وغيرت، وأن المحدث لهذه التي بأيديهم هذا الملك المذكور؛ لأنه جمعها ممن كان يحفظها من بني إسرائيل، وأن التوراة الصحيحة هي التي في أيدي الأسامرة دون غيرهم، وكان ملك هذا الملك ستا وأربعين سنة، ووجدت في نسخة أخرى أن المتزوج في بني إسرائيل هو بخت نصرنفسه، وهوالذي ردهم، ومن عليهم وفيه نظر.
إسماعيل بن إبراهيم وأولاود
ودبر إسماعيل بن إبراهيم أمر البيت بعد إبراهيم عليه السلام، ونبأةالله عز وجل، وأرسله إلى العماليق وقبائل اليمن، فنهاهم عن عبادة الأوثان، قآمن طائفة منهم وكفر أكثرهم، وولد لإسماعيل اثنا عشر ذكرا. وهم: فائث، وقيدار، وأربل، وميم، ومسمع، ودوما، ودوام، وميشا، وحداد، وحيم، وقطورا، وماس، وكانت وصية إبراهيم إلى ابنه إسماعيل عليه السلام، ووصى إسماعيل إلى أخيه إسحاق عليهما السلام ، وقد قيل: إلى ولده قيذار بن إسماعيل، وكان عمر إسماعيل إلى أن قبضه الله مائة سنة وسبعا وثلاثين سنة، ودفن بالمسجد الحرام في الموضع الذي كان فيه الحجر الأسود.
أنبياء بين سليمان والمسيح
ودبر أمر البيت بعحه فائث بن إسماعيل عليه ال!سلام، على منهج إسماعيل وملته، وقيل أيضأ: إنه كان وصي أبيه إسماعيل عليه السلام.
وكان بين سليمان بن داود وبين المسيح عليهما السلام أنبياء وعباد وصالحون منهم: أرمينيا، ودانيال، وعزير، وقد تنازع الناس في نبوته، وأيوب، وأشعياء، وحزقيل، وا لياس، وا ليسع، ويونس، وفالكفل، والخضر، وروى عن ابن إسحاق أنه أرمينيا، وقيل: بل كان عبداصالحآ، وزكريا وهو زكريا بن أدق وهو من ولد داود من سبط يهوذا، وكان تزوج أشباع بنت عمران أخت مريم بنت عمران أم المسيح عليهما السلام، وهو عمران بن ماتان بن يعاميم، من ولد داود أيضا، واسم أم أشباع ومريم حنة، وولدت لزكريا يحيى، وكان يحيى ابن خالة المسيح عليهم السلام، وكان زكريا نجارا، فأشاعت اليهود أنه ركب من مريم الفاحشة فقتلوه، وكان لما أحس بهم جاء إلى شجرة فدخل في جوفها فدلهم عليه إبليس لعنه الله عزوجل، فنشروا الشجرة وهو فيها، فقطعوه وقطعوها، ولما ولدت أشباع ابنة عمران أخت مريم أم المسيح يحيى بن زكريا عليهما السلام هربت به من بعض الملوك إلى مصر، فلما صار رجلا بعثه الله عزوجل إلى بني إسرائيل، فقام فيهم بأمر الله عزوجل ونهيه فقتلوه، وكثرت الأحداث في بني إسرائيل، فبعث الله عليهم ملكا من ناحية المشرق يقال له حردوس، فقتل منهم على دم يحيى بن زكريا ألوفا من الناس وهو يفر إلى أن هدأ الدم بعد خطب طويل.
مولد عيسى بن مريم عليه السلام
مخ ۲۰
ولما بلغت مريم ابنة عمران سبع عشرة سنة بعث الله عزوجل إليها جبرائيل، فنفخ فيها الروح، فحملت بالسيد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وولدت بقرية يقال لها بيت لحم على أميال من بيت المقدس، ولدته في يوم الأربعاء لأربع وعشرين ليلة خلت من كانون الأولى، وكان من أمره ما ذكره الله عزوجل في كتابه، واتضح على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وقد زعمت النصارى أن أشيوع الناصري أقام على دين من سلف من قومه يقرأ التوراة والكتب السالفة في مدينة طبرية من بلاد الأردن في كنيسة يقال لها المدراس ثلاثين سنة، وقيل: تسعا وعشرين سنة، وأنه في بعض الأيام كان يقرأ في سفرأشعياء إذ نظر في السفر إلى كتاب من نور فيه أنت نبي، وخالصتي، اصطفيتك لنفسي فأطبق السفر ودفعه إلى. خادم الكنيسة، وخرج وهو يقول: الآن تمت المشيئة لله في ابن البشر،. وقد قيل: إن المسيح عليه السلام كان بقربه يقال لها ناصرة من بلاد اللجون من أعمال الأرعن، وبذلك سميت النصرانية، ورأيت في هذه القرية كنيسة تعظمها النصارى وفيها توابيت من حجارة فيها عظام الموتى يسيل منهلا زيت ثخين كالرب تتبرك به النصارى، وأن المسيح مر ببحيرة طبرية وعليها أناس من الصيادين وهم بنو زبدا، واثنا عشر من القصارين، فدعاهم إلى الله وقال: اتبعوني تصيدوا البشر، فاتبعه ثلاثة من الصيادين، وهم بنو زبدا واثنا عشر من القصارين، وقد ذكر أن ميروحنا وشمعون وبولس ولوقاهم الحواريون الأربعة الذين تلقوا الإنجيل، فألفا خبر عيسى عليه السلام، وما كان من أمره، وخبرمولده، وكيف عمده يحيى بن زكريا، وهو يحمى المعمداني، في بحيرة طبرية، وقيل: في بحر الأردن الذي يخرج من بحيرة طبرية ويجري إلى البحيرة المنتنة، وما فعل من الأعاجيب وأتى من المعجزات، وما قالت اليهود إلى أن رفعه الله عزوجل إليه، وهو ابن ثلالث وثلاثين سنة.وفي الإنجيل خطب طويل في أمر المسيح ومريم عليها السلام ويوسف النجار، أعرضنا عن ذلك، لأن الله عزوجل لم يخبر بشيء من ذلك في كتابه، ولا أخبر به محمد نبيه صلى الله عليه وسلم .
ذكر أهل الفترة ممن كان بين المسيح ومحمد صلى الله عليهما وسلم
وقد كان بين المسيح ومحمد صلى الله عليهما وسلم في الفترة جماعةمن أهل التوحيد، ممن يقر بالبعث، وقد اختلف الناس فيهم: فمن الناس من رأى أنهم أنبياء، ومنهم من رأى غير ذلك.
حنظلة بن صفان
فممن ذكر أنه نبي حنظلة بن صفان، وكان من ولد إسماعيل بن إبراهيم، صلى الله عليهما وسلم، وأرسل إلى أصحاب الرس، وكانوا من يد إسماعيل بن إبراهيم وهم قبيلتان يقال لإحداهما أدمان، وللأخرى يامن، وقيل: رعويل وذلك باليمن، فقام فيهم حنظلة بأمر الله عزوجل فقتلوه، فأوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل من سبط يهوذا أن يأمر بخت نصر بأن يسير إليهم، فسار إليهم، فأتى عليهم، فذلك قوله عز وجل: " فلما أحسوا بأسنا " إلى قوله: " حصيدا خامدين " وقيل:إ ن القوم كانوا من حمير، وقد ذكر ذلك بعض شعرائهم في مرثية له، فقال:
بكت عيني لأهل الرس ... رعويل وقدمان
وأسلم من أبي زرع ... نكال الحي قحطان
ذو القرنين
وقد حكي عن وهب بن منبه أن ذا القرنين وهو الإسكندر كان بعد المسيح عليه السلام في الفترة، وأنه كان حلم حلما رأى فيه أنه دنا من الشمس حتى أخذ بقرنيها في شرقيها وغربيها، فقص رؤياه على قومه، سموه بني القرنين، وللناس في في القرنين تنازع كبيز وقد أتينا على ذلك في كتاب أخبار الزمان وفي الكتاب الأوسط، وسنذكر لمعا من خبره عند ذكرنا لملوك اليونانيين الروم.
أهل الكهف
وكذلك تنازع الناس في أصحاب الكهف في أي الأعصار كانوا؛ فمنهم من زعم أنهم كانوا في زمن الفترة، ومنهم من رأى غيرذلك، وسنأتي بلمع من خبرهم في ذكرنا ملوك الروم في هذا الكتاب، وإن كنا قد أتينا على ذلك في الكتاب الأوسط، فيما سلف قبله من كتاب أخبار ا لزمان.
جرجيس
مخ ۲۱