واعلم أنه ليس لك فرج منه ولا من مجاهدته إلا مفارقة روحك من جسدك فاحذره، فإنه ليس إلا أن تغتر فتهلك، أو تستقيم فتنجو.
وأما معرفتك بنفسك فتضعها حيث وضعها الله، وتقوم عليها بأحسن الرعاية والأدب كما أمرك الله؛ فحينئذ تعرف أي شيء هي؟ وما صفتها؟ وكيف حالها؟ وما طباعها؟ وإلام تأمر؟ وإلام تدعو؟ وكيف خلقها؟ وأنها ضعيفة في بنيتها، طمعة شرهة آمنة، مدعية للخوف والرجاء، أماني منها وغرور، صدقها كذب، ودعواها باطل، وكل شيء منها غرور، وليس لها تحقيق، وعلمها ظن، إن حللت عنانها شردت، وإن اطلقت وثاقها جمحت، وإن أعطيتها ما تريد هلكت، وإن غفلت عن محاسبتها والقيام عليها أدبرت، وإن تركتها تولت، ليس لها حقائق ولا مرجوع(1)، هي رأس القبائح، ومعدن الفضائح، وخزانة إبليس وكره(2)، إليها يأوي ويطمئن ويهلك ويوسوس، وهي بالصفة التي وصفها الله لرسوله صلى الله عليه وأهل خيرته وحجته على خلقه في قصة يوسف صلى الله عليه: {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم} [يوسف: 53] وكذلك أنت في ضعفك ووهى علمك.
واعلم أن كل شيء تظهر من الخوف فهو أمن، وكل ما ادعت من الصدق فهو كذب، وكل ما ادعت من الإخلاص فهو رياء لا حقيقة له، وعند الإمتحان ترجع عن دعواها، فأي بلاء أعظم من بلائها وما يحل بها وفيها؟ فإذا عرفت صفتها بحقيقتها ومعك في ذلك صدق دوام الإلتجاء إلى الله والفزع إليه منها؛ لم تضعف عنها، وهان عليك أمرها بعون الله وتوفيقه، وقواك الله عليها ما دمت ناظرا إليه وفزعا منه إليه، فإذا اجتمعت فيك هذه الخصال فأنت بإذن الله عارف عالم.
مخ ۶۹۵