ثم بعد ذلك معرفة عدو الله وعدوك إبليس، [الذي] أمرك الله بمحاربته وعداوته، ومجاهدته في السر والعلانية، لعلمك أنه قد عادى الله في عبده آدم صلى الله عليه، وضاره في ذريته، تنام ولا ينام، وتغفل ولا يغفل، دائبا في عطبك وهلاكك، في يقظتك ونومك، لا يألو بكل حيله وخدعه ومكائده في طاعتك ومعصيتك، ومالا يجهله كثير من الناس العابدين ليساوي بين العابد والفاجر.
واعلم أن ليس له همة(1) ولا مراده فيك قليل، إنما يريد أن يزيلك عن عظيم ثواب الله مع علمه بذلك، ويوردك معه حيث يرد حسدا ليشمت بك.
فإذا عرفته بهذه الصفة والمنزلة، لزم قلبك معرفته بلا غفلة ولا سهو، وحاربته حينئذ بعون الله وتوفيقه بأشد المحاربة، فلا تترك المجاهدة سرا وعلانية، ولا تفرط في ذلك ولا تغفل حتى تبذل مجهودك، فإذا لم تبق غاية منك إلا بذلتها؛ قصدت إلى ربك عز وجل بعذرك، بالبكاء والتضرع والإستكانة، جاهدا في ليلك ونهارك حتى يعينك عليه؛ وأنت بمنظر يراك وأنت تجاهد فيه من أمرك بجهاده، وتصل(2) مكايدته عندك بمعرفته، ألم يعرفك ذلك مولاك أنه عدو لك ولأوليائه وأصفيائه؟ فبلغ من غضبه عليك وأنت تكيده لغيرك، وتدل على محاربته ومكائده، وتحذر منه وتدل على عوراته؛ من ضعف علمه وتكيده وغروره؛ لتجاهد وتعلم ما يدلس على العمال والمريدين؛ إذا أنس منهم بالمعرفة فيه بعداوة الله وعداوة المؤمنين. فإذا كنت كذلك فقد وهب الله لك سلوك طريقين عظيمين سديدين، ومن سلك هذه المنزلة فليحذر ، وليجتهد عن ذلك أشد الحذر.
وعليك بالحفظ لما أعطيت والتيقظ، وترك الغفلة، لا تزل زلة، ولا تغفل غفلة، فيظفر بك وهو شديد الغضب عليك، لما علم من علمك بمكانه، وطلبتك لمعصيته وغضبه عليك وتنقصك منه؛ فيرميك رمية لا تقوم من صرعتك، ولا تفيق من سكرتك، واحذره أشد ما ترجو أو تأمل إن شاء الله.
مخ ۶۹۴