فمعرفتك الله عز وجل؛ فهو: أن تعلم نفسك علم قربه منك، وقدرته لديك وقيامه عليك، ومشاهدته لك وعلمه بك، وأنه قريب حفيظ محيط، واحد أحد ليس كمثله شيء، لا شريك له في ملكه، وأن ما وعد به حق صدق، وأنه فيما ضمن به ودعا إليه وندب إليه وفي، وله وعد هو منجزه، ووعيد هو منفذه، ومقام للعبد منه يصير إليه، ومصدر يصدر عنه، وعذاب ليس له مثل، وثواب ليس له خلف، وأنه بر رحيم، ودود مجيب، قضاء للحوايج، كل يوم هو في شأن، يعلم الخفاء وفوق الخفاء ودون الخفاء، والضمير والخطرة، والوسوسة والهمة والإرادة، والحركة والطرفة، وما فوق ذلك وما دون ذلك، ولا يوصف ربنا تعالى بصفة، وأنه رازق وهاب تواب، فإذا ألزمت ذلك قلبك باليقين الراسخ والعلم النافذ، وقدرته في كل عضو منك ومفصل، وعرق وعصب، وشعر وبشر ونفس، أن الله جل ثناؤه قائم على ذلك، أحاط به علما قبل خلقك وبعد ما خلقك، فإذا ثبت ذلك في قلبك، وصح به عزمك وكلفه عقلك، وأنه علم اختيار لا علم اضطرار؛ ثبت منك حينئذ المحاسبة لنفسك، ووصلت إليك المعرفة، وفرغت إلى الله قلبك، وانخشعت له جوارحك، حذرا من سطواته وقدرته، وحياء منه لقربه ومشهده، فلم تسقط منك إرادة، ولم تنزل بك همة، ولا تباعدت منك نية، فصرت القائم للقائم بحقه وتوفيقه لك، وتركك لما كره منك؛ إذعانا(1) لجلاله، ومشاهدة لعلمه، ولا تكون منك همة ولا خطرة، ولا إرادة ولا وسوسة، ولا حركة ولا سكون ظاهرة ولا باطنة، ولا لحظة ولا لفظة، ولا شيء ظاهر ولا باطن إلا وربك جل ثناؤه عند ذلك وعلى ذلك شاهد خبير، وأنه قائم عالم بذلك منك قبل كونه، وعند بدء إرادتك له وفعلك بجوارحك، فأنت (2) بتوفيقه العالم الورع التقي له.
مخ ۶۹۳