============================================================
وكان القياس: لو لم يسكن بقدمه قبل حراء.. ماج، لككن لما احتاج إلى تشبيه الجبل بالبحر فيما ذكر.. عدل عن ذلك إلى : (ماجت الدأماء) لإفادة ما في تشبيه الجبل بالبحر من البلاغة المبنية على الاستعارتين المذكورتين فإن قلت : الذي مر في حراء أنه إنما قال له : " أثبت جراء" أو نحوه، ولم يضربه بقدمه، وإنما الذي ضربه بقدمه أحد وثبير، فمن أين للناظم قوله : (لو لم يسكن بها قبل حراء؟): قلت : كأنه نظر لما في بعض الطرق في " مسند الحارث بن أبي أسامة " إذ فيها : أحد أو حراء بالشك ، وصح في رواية : حراء، وفي رواية : أحد، فاقتضى ذلك أن الضرب بالقدم الكريمة في حراء كما أنه في أحد.
ولك أن تحمل النظم على أن المراد : لو لم يسكن حراء قبل؛ أي : قبل طلوعه عليه هو وأصحابه بقدمه؛ أي: مشيه عليه، واقامته فيه للتعبد قبل النبوة. لاستمر تموجه واضطرابه حين طلع عليه ثانيأ هو وأصحابه، وحينتذ لا يرد على الناظم شيء إلا أن يقال : المسكن له كل من قدمه وقوله : " أتبث - أو - أفدأ حراء" فلا وجه لتخصيص القدم بالذكر، وقد يجاب : بأنه لا مانع أن المسكن له كل من الأمرين) فنسبته إلى القدم لا تنافي أنه لا مسكن غيرها.
ولك أيضا أن تجعل (الدأماء) الأرض، تسمية للمحل باسم الحال، وحيتثذ فالمعنى: لو لم يسكن صلى الله عليه وسلم بقدمه الكريمة حراء؛ أي: بتعبده فيه قبل النبوة.. لماجت به الأرض بعد النبوة فرحا وطربا إلى آخر الدهر.
و ص (حراء) لأنه صلى الله عليه وسلم خصه بتعبده فيه دون غيره تنبيه : أشار صلى الله عليه وسلم في أحد إلى أن سبب تحركه به محبته له فقال : " أحد جبل يحبنا ونحبه " رواه الشيخان (1) ، قال الخطابي : والمراد بحب أحد : حب أهل المدينة، نحو: { وشعل القريية} ورده البغوي، وتبعوه بأنه لا مانع من حمله على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحب الأنبياء والأولياء وأهل الطاعة، نظير (1) البخاري (1482)، ومسلم (1393).
مخ ۳۱۳