والنفس في هذا المقام تتلطف في الدخول عليه بإرادات لطيفة مشوبة بأعمال صالحة ليعود عليه وجوده، فإن عيشها في بقاء وجودها؛ وموتها في فناء وجودها، فلا يزال كذلك حتى يستقر له حال الجمع.
وتارة يضعف قلب صاحب الجمع عن مخالطة الصفات المتقدمة لشدة ظهور حكم الذات فلا يتسع للصفات حتى يتقوى ويرى الأمر مطابقا للاعتقاد، فإن الكشف الصحيح - هو ما كان مطابقا للاعتقاد - يقتضي أن الرب تعالى لم يزل متصفا بالصفات قديما وأزلا؛ ولا يزال كذلك أبدا، فيكمل له حينئذ شهود الجمع مع الصفات؛ وهو المشهد التام الكامل، وحال صاحب هذا المقام : التزام العبودية لله تعالى؛ ورفض الاستبداد بقول أو فعل، فمتى استبد بقول أو فعل: عوقب إما بعقوبة ظاهرة أو باطنة.
فإنه قد وجد الله بقلبه، ومن وجد الله بقلبه: استسلم له ولأحكامه، وصار عبدا له في جميع شؤونه وأحواله، فهو لا يدبر ولا يتحرك و لا يتكلم إلا بما أمر به في ظاهر العلم؛ أو ندب إليه شرعا، وأما ما لم يجب عليه: لم يندب إليه، فهو في الشرع مخير بين تركه والدخول فيه، فيطرق قلبه فيه بين يدي سيده؛ ينظر ما يفيض عليه من شهوده شارع فيه، وإن وجد الفيض توقف حتى يتبين له حكمه، فهو عبد الله تعالى وآثار العبودية وخضوع القلب لله عليه ظاهر، وحكم التوكل والتفويض عليه لائح، وقد يؤمر بالدخول في الأمر بهاتف أو منام ليمضي فيه، أما ما وجب بظاهر العلم لم يحتج معه إلى بينة باطنة، لكنه يمضي فيه؛ وإن وجد القبض؛ لأن الحكم حاكم على الذوق الباطن في كل شيء، فلا يزال قائما مع الله تعالى بوصف العبودية حتى يقبله الله تعالى ويتخذه عبدا ويصطنعه ويقربه ويرتب له مرتبة بين يديه.
مخ ۷۳