فأول علامة ذلك : جذبة تأخذ بروحه فتعرج به إلى الملكوت حتى يجاوزه بعروج روحه، ويرتب له مرتبة في القرب بعيان الروح، وهذا الذي يسمى الوصول، وتلك مشاهدة القلوب بأنوار الإيمان.
وفرق بين عيان الروح وشهادة القلب، فحكم هذا حينئذ: حكم من رأى الملك - أعني صاحب هذه المشاهدة الإيمانية - وبعد لم يصل إلى قربه، فهو يتأدب ويترك الاختيار، ويرجع إلى الله تعالى في كل شيء حتى يرحمه ويقربه وينظر بقلبه إليه ويرتب له بين يديه مرتبة، فذلك حينئذ أول وقوعه في تولي الحق؛ وأول علاماته في قبوله له.
فلا يزال قائما في حكم تلك المرتبة حتى ينتقل إلى غيرها ثم إلى غيرها، حتى يتصفى من كدره؛ وتذوب بقاياه فيصلح للدخول على الملك ومناجاته كفاحا، ويصير من الخواص الذين لا يحجبون عن منازل الملوك، وذلك الغاية التي انتهى عندها الطلب؛ وحصل المقصود من السير والسلوك، وحينئذ يبقى مأذونا له لطهارته، باقيا بربه بقيد حاله؛ ولا تقيده الحال لأنه بربه لا محالة، فبه يسمع؛ وبه يبصر؛ وبه ينطق، وهذا مقام المقربين المحبوبين المصطنعين، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
مخ ۷۴