{أم خلقوا من غير شيء} (¬1).
وقوله: {وما بكم من نعمة فمن الله} (¬2). وقوله: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} (¬3)، والمعنى متفق عليه بين المسلمين.
وإن قلتم: لا يكون موجود إلا من مادة خلقه منها الصانع.
فيقال لكم: فتلك المادة هي موجودة لا من مادة؟ وهم معترفون بما لا بد لهم منه من أن الموجودات القديمة هي موجودة من غير مادة تقدمت عليها كانت منها، بل أبدعها الرب إبداعا من غير مادة.
هذا قول الإلهيين منهم المقرون بواجب الوجود المبدع.
وإن قدر الكلام مع من ينكر من الطبعيين أن يكون للعالم مبدع؛ كان جوابه أظهر؛ فإنه يقال له: يا أحمق؛ إذا جوزت أن يكون مجموع العالم من غير مبدع ولا مادة؛ كيف يمتنع أن يكون بعضه من غير مادة مع كونه من صانع / (¬4).
ومعلوم أن الأول هو أبعد في العقل؛ بل هو ممتنع في العقل بخلاف الثاني؛ فإن هذه الحوادث المشهودة إن قال: إن المواد أحدثتها؛ فقد أثبت فاعلا مبدعا محدثا بلا مادة، وإن قال: لها محدث فاعل غير المادة؛ فقد أثبت فاعلا محدثا لها من مادة. وهذا إقرار بالصانع؛ فيلزمه إثبات وصار من القسم الأول؛ فما فر إليه شر مما فر منه على كل تقدير.
وهذا حال أهل الباطل دائما لا يكذبون بحق لشبهة؛ إلا لزمهم ما هو أشد منها.
مخ ۶۲